بسم الله الرحمن الرحيم
قال المصنف رحمه الله(باب أحكام الصيام) باب يجوز فيه الرفع والنصب والجر، فالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذا باب. ويجوز أن يكون مبتدأ حذف خبره، أي: باب أحكام الصيام هذا محله، أو فاعل لفعل محذوف تقديره: تبع باب أحكام الصيام ما تقدم من الباب الذي قبله، أو نائب فاعل لفعل محذوف، أي يقرأ باب أحكام الصيام ، والنصب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي: خذ بابَ أحكام الصيام، والجر، وهو ضعيف على أنه مجرور بحرف جر محذوف مع بقاء عمله، كما في قول الفرزدق:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة أشارت كليب بالأكف الأصابع
أي أشارت الأصابع بالأكف أي مع الأكف إلى كليب.
وقول الآخر:
وكريمة من آل قيس ألفته حتى تبذخ فارتقى الأعلام
أي فارتقى إلى الأعلام.
وقال رؤبة وقد قيل به: كيف أصبحت: خيرٍ عافاك الله، أي على خير، فحذف الجار وأبقى عمله( ).
وحذف الجار وإبقاء عمله شاذ، وهو خلاف لقول النحاة: لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله إلا في بعض المواطن القليلة جدا ( ).
قال في تحفة الأحوذي: الباب هو حقيقة لما كان حسيا يدخل منه إلى غيره، ومجاز لعنوان جملة من المسائل المتناسبة.
واعلم أنه قد جرت عادة أكثر المصنفين من الفقهاء أنهم يذكرون مقاصدهم بعنوان الكتاب والباب والفصل، فالكتاب عندهم عبارة عن طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة، شملت أنواعا أو لم تشمل، فإن كان تحته أنواع فكل نوع يسمى بالباب، والأشخاص المندرجة تحت النوع تسمى بالفصول.
وقال السيد نور الدين في فروق اللغات: الكتاب هو الجامع لمسائل متحدة في الجنس مختلفة في النوع، والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في النوع مختلفة في الصنف، والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في الصنف مختلفة في الشخص( ).
والأحكام جمع حكم، قال ابن فارس: الحاء والكاف والميم أصل واحد، وهو المنع، وأول ذلك الحكم، وهو المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة لأنها تمنعها، يقال: حكمت الدابة أحكمتها، ويقال: حكمت السفيه وأحكمته، إذا أخذت على يديه. قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
والحكمة هذا قياسها، لأنها تمنع من الجهل. وتقول: حكمت فلانا تحكيما منعته عما يريد. وحُكِّم فلان في كذا: أي جعل أمره إليه. والمحكم المجرب المنسوب إلى الحكمة. قال طرفة بن العبد:
ليت المحكَّم والموعوظ صوتكما تحت التراب إذا ما الباطل انكشفا
أرد بالمحكم: الشيخ المنسوب إلى الحكمة( ).
والحكم عند أهل الأصول هو: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف( ).
وأما الصيام فهو في اللغة: الإمساك عن الفعل مطعما كام أو كلاما أو مشيا، لذلك قيل للفرس الممسك عن السير أو العلف صائم. قال الشاعر:
خيل صيام وأخرى غير صائمة
وقيل للريح الراكدة: صوم، ولاستواء النهار صوم لوقوف الشمس في كبد السماء، ولذلك قيا: قائم الظهيرة. ومصام الفرس ومَصامته موقفه( ).
وقال القرطبي في تعريف الصيام: معناه في اللغة: الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال، ويقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام، قال الله تعالى مخبرا عن مريم: إني نذرت للرحمن صوما، أي سكوتا عن الكلام( ).
أما الصوم في الاصطلاح فعرف بتعاريف عدة، منها ما قاله القرطبي رحمه الله: الإمساك عن المفطرات مع اقتران النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وكماله اجتناب المحظور وعدم الوقوع في المحرمات لقوله عليه السلام: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه( ).