أحكام الاعتكاف
الأصل في حياة المؤمن أن تكون كلها طاعة لله تعالى، فلأجل هذا خُلق الإنسان، وعلى هذا يجب أن يحيى، وعلى هذا ينبغي أن يموت، وفي القرآن قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحيي ومماتي لله رب العالمين }(الأنعام: 162) .
ومن فضل الله سبحانه على عباده أن شرع لهم عبادات موسمية يحصِّل فيها المسلم الأجور والخيرات، ويصحح بها وجهته إلى الله، ويستدرك فيها ما قصَّر في جنب الله. ومن هذه الطاعات الموسمية سُنَّة الاعتكاف .
والاعتكاف: هو لزوم المسجد طاعة لله، وهو سُنَّة مشروعة، فعلها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفعلها أزواجه من بعده، وحافظ عليها بعض
صحابته الكرام، كما ثبتت بذلك الآثار .
وكان من هديه عليه الصلاة والسلام الاعتكاف في رمضان خاصة، فقد صح عنه أنه اعتكف العشر الأوائل منه، ثم العشر الأواسط، ثم داوم على اعتكاف العشر الأواخر، التماساً لليلة القدر. وفي العام الذي قبض فيه اعتكف العشر الأواخر والأواسط معاً؛ كما صح عنه صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في غير رمضان، فكان ذلك تشريعاً منه لجواز الاعتكاف في كل زمان، وقد اعتكف أصحابه وزوجاته في زمانه ومن بعده، فدلَّ مجموع ذلك على أن الاعتكاف سُنَّة ماضية إلى يوم الدين .
أحكام الاعتكاف
المعتمد أنه ليس للاعتكاف حد أدنى من الزمن، كما أن الصوم فيه ليس شرطًا لصحته، فيجوز بصوم وبغيره؛ إلا أن يشترط المعتكف ذلك، فيلزمه الصوم حينئذ .
ثم إنهم اشترطوا لصحة الاعتكاف شروطًا، منها: الطهارة من الحدث الأكبر، كالجنابة والحيض والنفاس؛ فلا يصح الاعتكاف حال الجنابة والحيض والنفاس. وإذا حاضت المرأة وقت اعتكافها، تعيَّن عليها الخروج من المسجد؛ ومثل ذلك يقال في حق من أجنب؛ لكن خُفِّف عن الجنب، فيجوز له المكث في المسجد بعد أن يتوضأ، ولو كان على جنابة، لفعل الصحابة رضي الله عنهم؛ ويصح الاعتكاف لغير الجنب والحائض، من غير وضوء، لكنه خلاف الأولى .
ومن شروط الاعتكاف النية، فلا يصح الاعتكاف بغير نية لأنه عبادة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) رواه البخاري .
ومنها أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة، فلا يصح في مسجد لا تقام فيه الجماعة ولا في البيت؛ قالوا: وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد، ولو لم تقم فيه الجماعة؛ على أنه ليس للزوجة أن تعتكف بغير إذن زوجها، كما نص على ذلك أهل العلم .
ومن شروط الاعتكاف - غير ما تقدم - الإسلام، والعقل، والتمييز؛ فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا المجنون، ولا الصغير غير المميز .
ما لا يجوز حال الاعتكاف
ولا يجوز للمعتكف أن يغادر المسجد الذي يعتكف فيه إلا لأمر لابد منه؛ كخروجه للطهارة، أو الأكل أو الشرب، إن لم يكن ثمة من يحضره إليه، أو لعلاج، ونحو ذلك من ضروريات، لا غنى للإنسان عنها.
ثم إن على المعتكف أن يحذر مما يفسد عليه اعتكافه؛ كمباشرته لزوجته أو مجامعتها، لقول الحق سبحانه: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها } (البقرة:187) وعليه فلو جامع المعتكف زوجته فسد اعتكافه، ولا قضاء عليه على الصحيح، ويفسد الاعتكاف كذلك بالخروج من المسجد لغير ضرورة .
وليس للمعتكف أن يزور مريضًا، أو يشهد جنازة إلا أن يشترط ذلك في اعتكافه؛ ولا حرج في زيارة أقاربه له في مسجد اعتكافه، وخاصة إن كان ثمة ما يدعو لذلك؛ وليس له كذلك أن يتجر حال اعتكافه .
آداب الاعتكاف
من آداب الاعتكاف، المحافظة على الطهارة، والإقبال على ذكر الله، بالصلاة، وتلاوة القرآن، والتفقه بأحكام الدين، والانقطاع عن أمر الدنيا قدر المستطاع؛ وليس من الأدب ما يفعله بعض الناس في هذه الأيام من الاجتماع في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، وتبادل الأحاديث والأسمار، والطعام والشراب، مما ينافي الحكمة التي شُرع لأجلها الاعتكاف؛ إذ إن المقصود الأول من هذه السُّنَّة، التفرغ لطاعة الله، والتقرب إليه بالطاعات، والابتعاد عن زينة الحياة الدنيا وزخرفها، فكل ما كان محصِّلاً لهذا المقصود كان مطلوبًا، وكل ما كان مفوتًا له فهو ممنوع، فَلْيُتنبه لذلك .
وبعد، فهذه أهم الأحكام المتعلقة بهذه السُّنَّة المباركة، نسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بشرعه المبين، والمقتدين بهدي نبيه الأمين؛ كما نسأله أن يجعلنا من الذين يعكفون على طاعته، ويجتنبون محارمه، آمين، والحمد لله رب العالمين
--**** ---- منقول للإفادة