10- وقال:
يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
يقول الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب- رحمهم الله- تعقيباً على هذا البيت- :
(فتأمل ما في هذا البيت من الشرك:
منها: أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي r، وليس ذلك إلا لله
وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو.
ومنها: أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية)(1).
وانتقد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن عبد الوهاب هذا البيت قائلاً:
(فعظم البوصيري النبي r بما يسخطه ويحزنه؛ فقد اشتد نكيره r عما هو دون ذلك كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه؛ فقصر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق الذي لا يستحقه سواه؛ فإن اللياذ عبادة كالعياذ، وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم بقوله:}وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ
رَهَقاً{ ]الجن:6[، أي طغياناً، واللياذ يكون لطلب الخير، والعياذ لدفع الشر؛ فهو سواء في الطلب والهرب)(2).
وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني- رحمه الله - عن هذا البيت:(فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله r، وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله r. إنا لله وإنا إليه راجعون)(3).
11 – وقال البوصيري:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تحلى باسم منتقم
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:(سؤاله منه أن يشفع له في
قوله: ولن يضيق رسول الله … إلخ، هذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو الجاه والشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك؛ وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله
فلا معنى لطلبها من غيره؛ فإن الله - تعالى - هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتدءاً)(1).
12 - وقال أيضاً:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي r وإفضاله، والجود هو العطاء والإفضال؛ فمعنى
الكلام: أن الدنيا والآخرة له r، والله - سبحانه وتعالى- يقول:}وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى{ ]الليل:13[ (2).
وقوله: ومن علومك علم اللوح والقلم. في غاية السقوط والبطلان؛ فإن مضمون مقالته
أن الرسول r يعلم الغيب، وقد قال- سبحانه-:}قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون{ ]النمل:65[ وقال- عز وجل-:}وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ ]الأنعام:59[،والآيات في هذا كثيرة معلومة(3).
وأخيراً أدعو كل مسلم عَلِقَ بهذه القصيدة وولع بها أن يشتغل بما ينفع؛ فـإن حق النبي r إنما يكون بتصديقه فيما أخبر، واتباعه فيما شرع، ومحبته دون إفراط أو تفريط، وأن يشتغلوا بسماع القرآن والسنة والتفقه فيهما؛ فإن البوصيري وأضرابه استبدلوا إنشاد وسماع هذه القصائد بسماع القرآن والعلم النافع، فوقعوا في مخالفات ظاهرة ومآخذ فاحشة.
وإن كان لا بد من قصائد ففي المدائح النبوية التي أنشدها شعراء الصحابة - رضي الله عنهم- كحسان وكعب بن زهير ما يغني ويكفي.
اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
--------------------------------------------------------------------------------
(2):يقول ابن كثير - رحمه الله- في " البداية والنهاية "(4/373):(ورد في بعض الروايات أن رسول الله r أعطاه بردته حين أنشده القصيدة.. وهذا من الأمور المشهورة جداً، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه؛ فالله أعلم).
(1):انظر مقدمة محقق "ديوان البوصيري" (ص29).
(2):انظر "المدائح النبوية" لزكي مبارك (ص197).
(3):"مقدمة ديوان البوصيري" (ص29- 30).
(1):"فوات الوفيات" لمحمد بن شاكر الكتبي (2/258).
(2):"مجموع الفتاوى" (11/598).
(1):"اقتضاء الصراط المستقيم" (2/692- 693) باختصار.
(2):"الدرر السنية" (9/81)، وانظر (9/48)، وانظر:"صيانة الإنسان" للسهسواني (تعليق محمد رشيد رضا) (ص88).
(3):أخرجه البخاري (ح 3445).
(1):انظر "القول المفيد"(1/376)، و"مفاهيمنا" لصالح آل الشيخ (ص226)، و"محبة الرسول" لعبد الرؤوف عثمان (ص208).
(2):"فتح الباري" (12/149).
(3):"غاية الأماني" للآلوسي (2/349).
(1):"غاية الأماني" للآلوسي (2/350) باختصار وانظر "الدر النضيد" لابن حمدان (ص136).
(2):"الرد على الأخنائي" (ص41).
(3):رواه أحمد (ح 4509)، والترمذي (ح 1534).
(4):"التمهيد"(14/366- 367).
(1):انظر "الدرر السنية" (9/51).
(2):انظر "الدرر السنية" (9/49،82،271).
(1):"تيسير العزيز الحميد" (ص219- 220).
(2):"الدرر السنية"(9/80)، وانظر (9/49، 84، 193)، و"منهاج التاسيس والتقديس"لعبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن (ص212).
(3):"الدر النضيد" (ص26).
(1):"تيسير العزيز الحميد" (ص220) وانظر "الدرر السنية" (9/52).
(2):انظر "الدرر السنية" (49،50،81،82،85،286).
(3):انظر "الدرر السنية" (9/50،62،81،268،277).