إن مسألة القنوت في صلاة الصبح من المسائل الفقهية الفرعية، والتي لا ينبغي للمسلمين أن يفترقوا ويتعادوا بسببها، وبيان هذه المسألة أن الفقهاء قد اختلفوا فيها، فذهب الشافعية والمالكية إلى ندبه، وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا قنوت في الصبح.
قال النووي : «اعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح، وهو سنة متأكدة ، وذلك لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه : ما زال رسول الله يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا([1]). قالوا - أي السادة الشافعية - : ولو تركه لم تبطل صلاته، لكن يسجد للسهو، سواء تركه عمدًا أو سهوًا. أما محله، فبعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية من الصبح ، فلو قنت قبل الركوع لم يحسب له على الأصح، وعليه أن يعيده بعد الركوع ثم يسجد للسهو»([2]).
وقد نُقل في حكم قنوت الصبح أقوال وهيئات عن بعض الصحابة والتابعين، منها : قول علي بن زياد بوجوب القنوت في الصبح، فمن تركه فسدت صلاته. ويجوز قبل الركوع وبعده في الركعة الثانية، غير أن المندوب الأفضل كونه قبل الركوع عقب القراءة بلا تكبيرة قبله؛ وذلك لما فيه من الرفق بالمسبوق، وعدم الفصل بينه وبين ركني الصلاة؛ ولأنه الذي استقر عليه عمل عمر رضي الله عنه بحضور الصحابة، قال القاضي عبد الوهاب البغدادي : «وروي عن أبي رجا العطاردي قال : كان القنوت بعد الركوع، فصيره عمر قبله ليدرك المدرك وروي أن المهاجرين والأنصار سألوه عثمان، فجعله قبل الركوع؛ لأن في ذلك فائدةً لا توجد فيما بعده، وهي أن القيام يمتد فيلحق المفاوت، ولأن في القنوت ضربًا من تطويل القيام، وما قبل الركوع أولى بذلك، لا سيما في الفجر.
ويترجح مذهب الشافعية في القنوت لقوة أدلتهم، وهي فيما يلي :
حديث أنس بن مالك السابق : ما زال رسول الله يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. وسئل أنس : هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟ قال : نعم. فقيل له : قبل الركوع، أم بعد الركوع ؟ قال : بعد الركوع([3]).
وعن أبي هريرة قال : والله أنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويلعن الكفار([4]).
وعن عبد الله بن عباس، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح : «اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت »([5]).
وفي حديث : كان إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية ؛يرفع يديه، ويدعو بهذا الدعاء : «اللهم اهدني فيمن هديت» ،وفي رواية ؛أنه إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في آخر ركعة؛ قنت([6]).
وأما لفظه، فالاختيار أن يقول فيه ما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وأنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت» ،وزاد العلماء فيه : «ولا يعز من عاديت» قبل : «تباركت ربنا وتعاليت» ،وبعده : «فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك». قال النووي في الروضة : «قال أصحابنا : لا بأس بهذه الزيادة، وقال أبو حامد والبندنيجي وآخرون؛ مستحبة»([7]). ويسن أن يقول عقب هذا الدعاء؛ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلِّم. وذلك في الوجه الصحيح المشهور.
ويندب كونه بلفظ : « اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونخضع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق».
وعلى ما سبق فنرى ترجح مذهب الشافعي رضي الله عنه من أن القنوت في صلاة الصبح سنة، يسن لمن تركه أن يسجد للسهو لجبرها، ولكن لا تفسد الصلاة بتركه، والله تعالى أعلى وأعلم.
------------
([1]) رواه أحمد في مسنده، ج3 ص162، وعبد الرزاق في مصنفه، ج3 ص 110، والدارقطني في سننه، ج2 ص39، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، ج2 ص139. ورواه الحاكم في أربعينه، وقال : حديث صحيح، ورواته كلهم ثقات.
([2]) الموسوعة الفقهية الكويتية، ج32 ص 59، 60 ، حرف القاف، قنوت.
([3]) أخرجه مسلم في صحيحه، ج1 ص486، وأبو داود في سننه، ج2 ص 68.
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص275 ،ومسلم في صحيحه، ج1 ص468،و البيهقي في السنن الصغرىن ج1 ص ،واللفظ له .
([5]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ج2 ص210 .
([6]) الجامع الصغير، للسيوطي، ج1 ص157 .وقال الشيخ الألباني : صحيح . انظر صحيح الجامع ،رقم : 4730.
([7]) نقل ذلك عنه العلامة الرملي، في نهاية المحتاج، ج1 ص 503.
دار الافتاء المصرية
و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد و على صحبه و من تبعهم باحسان الى يوم الدين