الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلهِ وصحبه ومَن والاه.
فقد سألني بعضُ الإخوة -جزاهم اللهُ خيراً- عن حكم الانتساب- إلى (السنة) و(الأثر)؟
وذلك بعد وقوفهم على كلامٍ لبعض أهل العلمِ يُفْهِمُ(!) منعَ ذلك، وعدمَ جوازهِ…
فأقولُ -وباللهِ التوفيق-:
إنَّ نسبةَ (الأثري) نِسبةٌ قديمةٌ (مُتوارَثةٌ)؛ مقبولةٌ عندَ أهلِ العلمِ، مُتداوَلَةٌ بينَهم:
قال السمعاني (المتوفى سنة 562هـ) في كتابهِ «الأَنساب» (1/136): «هذه النسبةُ إلى الأَثر؛
يعني: الحديثَ، وطلبَهُ، واتِّباعُه».
وأوَّلُ أبياتِ «الألفيَّة الحديثيَّة» –الشهيرة- للحافِظِ العِرَاقيِّ (المتوفَّى سنة 806هـ)- قولُهُ:
يقولُ راجي ربِّهِ المُقْتَدِرِ عبدُالرحيم بنُ الحُسَين الأثري
وقد شرحَها الحافظُ السخاويُّ (المتوفَّى سنة 902هـ) في «فتح المغيث» (1/3) بقولِهِ: «نسبة إلى
الأثر، وانتسبَ لذلكَ جماعةٌ، وحَسُنَ الانتسابُ إليهِ ممَّن يصنِّفُ في فُنُونِهِ».
إن لم تكونوا مثلَهم فتشبَّهوا إنَّ التشبُّهَ بالكِرامِ فَلاحُ
فلئن كانت النسبةُ إلى (المذاهب) أَو (الصنائعِ) أَو (البُلدان) أَو (الشهادات) مقبولةً -اليوم-
ومُستساغةً؛ فالنسبةُ إلى السنّةِ، والحديثِ، والأثرِ: أولى بالقَبولِ وأجدَرُ بالمُوافقةِ…
وَلَقَدَ غَمَزَ شيخُنا الألبانيُّ –رحمه اللهُ- مِن بَعضِ أدعياءِ العلمِ، المُخالفينَ للسنّةِ والمُغايرين لمنهجِ
أهلِها، ومع ذلكَ ( يُنَصِّبُ) الواحدُ منهم نفسَه (أثريًّا) –وهو من الأثَرِ براءٌ، ومِن السنّةِ خَوَاءٌ؛ نسبةً
باطلةً عاطلةً تُخالِفُ ما هو عليه حقيقةً-؛ رادّاً –رحمه اللهُ تعالى- على بعضِ شبابِ الكُتَّاب، الذينَ
خالفوا السنّةَ والصواب، مُنْتَسِباً إلى (الأثر)؛ تَقْليداً للأتراب، وتَغْريراً للأصحابِ، فقال –نفعَ اللهُ بهِ-
مُقَرِّعاً: «… الأَثريُّ موضةُ العصر!».
نَعَم؛ هي كذلك فيمن خالفَ قالُهُ حالَهُ، وغايَرَ لِسانُهُ أفعالَه…
فإنكارُ شيخِنا –وهو حقٌّ- مُتَوجِّهٌ إلى المُنتَسِبِ، لا إلى النسبةِ؛ فإنّه قالَ -بعدُ- ردّاً على ذلك الأثريِّ
المُدَّعي نفسِهِ، كاشفاً حقيقتَه: «… بحيثُ يظنُّ من لم يتَّبعْ كلامَه .. أنه سلفيٌّ أَثَريّ –كما انتَسبَ-
مئة في المئة!- والواقعُ .. أنّهُ خَلَفيٌّ معتزليّ مِن أهلِ الأهواءِ» …
فأقرَّ بالنسبةِ على وَجْهِ السَّواء… موافِقاً مَن قبلَه من الأَئمّة والعُلَماء.
وما يُقال في النَّسبة إلى (السلف) هو نفسُه ما يُقال في (الأثَر) سواءً بسواءٍ
…
وإلى مِثْلِ هذا المَلْحَظِ نَفْسِهِ –في التفريق بين حامل الدعوة وصاحب الدعوى!- أشارَ العلامة الشيخ
عبدالعزيز بن باز –رحمه اللهُ- لمَّا سئل عَمَّن تسمَّى بالسلفيِّ الأثريِّ، هل هي تزكيةٌ؟
فأجاب سماحتُهُ –رحمه اللهُ-:
«إذا كان صادقاً أنَّهُ أثريٌّ أو سلفيٌّ لا بأس، مثل ما كانَ السَّلفُ يقولُ: فلانٌ سلفيٌّ، فلان أثريٌّ،
تزكية لا بدَّ منها، تزكية واجبة»
وأما ما نقله بعض الإخوة ممَّا فُهم منه أنه -(قد) يُخالف ظاهرُهُ شيئاً مِن هذا الكلام!- وذلك عن
فضيلة الشيخ صالح الفوزان –نفع اللهُ به- فإنَّ وجهَ الحقِّ فيه –إن شاء الله- ما ذكره شيخ الإسلام
ابن تيميّة –رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» (4/149) -حيث قال-:
«لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛
فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً.
فإن كان موافقاً له باطناً وظاهراً: فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطناً وظاهراً.
وإن كان موافقاً له في الظاهر فقط دون الباطن: فهو بمنزلة المنافق.
فتُقْبَل منه علانيته وتُوَكّل سريرته إلى الله؛ فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم».
… وهذا يَلتَقي كلامُ الأئمّة والعُلَماءِ بَعضُهُ بَعْضاً؛ مُفارِقاً كلامَ مَن لَيْسَ مِنهم، وغيرَ فاهِمٍ كلامَهم!! فتأمل
.
وانظر –لمزيد من الفائدةِ- «اللباب» (1/28) لابن الأثير، و «سِيَر أعلام النبلاء» (18/510)، و(19/475) للذهبي، و«توضيح المشتبه» (1/122) لابن ناصر الدين الدمشقي، و«لَوامع الأنوار البَهيّة» (1/64) للسَّفاريني -وغيرها-. منقول من موقع الشيخ : علي حسن الحلبي ـ جزاه الله خيرا ـ[/b]
رابط الموقع:http://www.alhalaby.com
__________________