إذا أصابهم البغي هم ينتصرون
ابن حجر العسقلاني
قوله جل ذكره : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) روى الطبري من طريق السدي قال في قوله : " إلا من ظلم " أي فانتصر بمثل ما ظلم به فليس عليه ملام ، وعن مجاهد " إلا من ظلم " فانتصر فإن له أن يجهر بالسوء ، وعنه نزلت في رجل نزل بقوم فلم يضيفوه فرخص له أن يقول فيهم .
قلت : ونزولها في واقعة عين لا يمنع حملها على عمومها . وعن ابن عباس المراد بالجهر من القول الدعاء فرخص للمظلوم أن يدعو على من ظلمه ، وأما الآية الثانية فروى الطبري من طريق السدي أيضا في قوله : والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون قال : يعني ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا . وفي الباب حديث أخرجه النسائي وابن ماجه بإسناد حسن من طريق التيمي عن عروة عن عائشة قالت : " دخلت على زينب بنت جحش فسبتني ، فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت " فقال لي سبيها . فسببتها حتى جف ريقها في فمها فرأيت وجهه يتهلل " .
وقال إبراهيم النخعي كانوا - أي السلف - ( يكرهون أن يستذلوا ) بالذال المعجمة من الذل .
قوله تعالى : ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ) ( وجزاء سيئة سيئة )
أي وقوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } إلخ وكأنه يشير إلى ما أخرجه الطبري عن السدي في قوله : أو تعفوا عن سوء أي عن ظلم ، وروى ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } قال : إذا شتمك شتمته بمثلها من غير أن تعتدي فمن عفا وأصلح فأجره على الله وعن الحسن رخص له إذا سبه أحد أن يسبه . وفي الباب حديث أخرجه أحمد وأبو داود من طريق عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : ما من عبد ظلم مظلمة فعفا عنها إلا أعز الله بها نصره " .
(الظلم ظلمات يوم القيامة )أخرجه مسلم ( 8 / 18 ) و البخاري في " الأدب المفرد " ( 483 ) و أحمد ( 3 / 323)
أورد فيه حديث ابن عمر بهذا اللفظ من غير مزيد ، وقد رواه أحمد من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر وزاد في أوله " يا أيها الناس اتقوا الظلم " وفي رواية " إياكم والظلم " وأخرجه البيهقي في " الشعب " من هذا الوجه وزاد فيه : قال محارب أظلم الناس من ظلم لغيره . وأخرجه مسلم من حديث جابر في أول حديث بلفظ " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح " الحديث ، قال ابن الجوزي : الظلم يشتمل على معصيتين : أخذ مال الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة ، والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار ، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر ، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا .