الموضوع
وإن يكن راويه يقصد الكذب فذلك الموضوع طرحه يجب
وربما أُطلق فيما اتفقـــا فيه بلا قصد لأن يختلقــا
الموضوع: هو المختلق المصنوع، وشر الضعيف، وتحرم روايته مع العلم به في أي معنى كان إلا مبينا، ويعرف الوضع بإقرار واضعه.
قال النووي: والواضعون أقسام: أعظمهم ضررا قوم ينسبون إلى الزهد وضعوه حسبة في زعمهم، فقبلت موضوعاتهم ثقة بهم.
قال يحيى القَطَّان: ما رأيتُ الكذب في أحد أكثرَ منه فيمن يُنسب إلى الخير. أي: لعدم علمهم بتفرقة ما يجُوز لهم وما يمتنع عليهم, أو لأنَّ عندهم حُسن ظن وسلامة صدر, فيحملون ما سمعُوهُ على الصِّدق, ولا يهتدُون لتمييز الخَطَأ من الصَّواب, لكن الواضعُونَ منهم, وإن خفي حالهم على كثير من النَّاس, فإنَّه لم يخف على جهابذة الحديث ونُقَّاده.
ومن أمثلة ما وُضع حِسْبة ما رواهُ الحاكم بِسَنده إلى أبي عَمَّار المَرْزوي, أنَّه قيلَ لأبي عِصْمة نُوح بن أبي مَرْيم: من أينَ لكَ: عن عِكْرمة, عن ابن عبَّاس في فضائل القرآن سُورة سُورة, وليسَ عندَ أصحاب عِكْرمة هذا؟ فقال: إنِّي رأيتُ النَّاس قد أعرضُوا عن القُرآن واشتغلُوا بفقه أبي حنيفة ومَغَازي ابن إسْحَاق, فوضعتُ هذا الحديث حِسْبة.
وكان يُقَال لأبي عِصْمة هذا: نُوحٌ الجَامع, قال ابن حبَّان: جمعَ كل شيء إلاَّ الصِّدق.
وروى ابن حبَّان في «الضعفاء» عن ابن مهدي قال: قلتُ لميسرة بن عبد ربِّه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟ قال وضعتها أُرغِّبُ النَّاس فيها. وكان غُلامًا جليلاً يتزهَّد, ويَهْجُر شهوات الدُّنيا, وغُلِّقت أسواقُ بغداد لموته, ومع ذلك كان يضع الحديث, وقيل له عند موته: حسن ظنَّك؟ قال: كيف لا, وقد وضعتُ في فَضْلِ عليِّ سبعينَ حديثًا.
وكان أبو داود النَّخعي أطْول النَّاس قيامًا بليل, وأكثرهم صيامًا بنهار, وكان يضع.
قال ابن حبَّان: وكان أبو بِشْر أحمد بن مُحمَّد الفقيه المَرْزوي من أصلب أهل زَمَانه في السُّنة وأذَّبهم عنهَا, وأقْمعهُم لمن خالفهَا, وكان يضع الحديث.
وقال ابن عَدي: كان وهب بن حفص من الصَّالحين مَكثَ عِشْرينَ سنةً لا يُكلِّمُ أحدًا, وكان يكذب كذبًا فاحشًا.