قال الشيخ الإمام محدث المدينة النبوية عبد المحسن العباد في مقدمة رسالته "رفقا أهل السنة بأهل السنة" الطبعة الثانية سنة 1426هـ من صفحة:3 إلى صفحة:14.
« بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وتمسك بسنته واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد، فقبل سنوات قليلة، وبعد وفاة شيخنا الجليل شيخ الإسلام عبد العزيز بن عبد الله بن باز سنة (1420 هـ)، ووفاة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين سنة (1421 هـ) رحمهما الله، حصل انقسام وافتراق بين بعض أهل السنة، نتج عن قيام بعضهم بتتبع أخطاء بعض إخوانهم من أهل السنة، ثم التحذير منهم، وقابل الذين خطؤوهم كلامهم بمثله، وساعد على انتشار فتنة هذا الانقسام سهولة الوصول إلى هذه التخطئات والتحذيرات وما يقابلها، عن طريق شبكة المعلومات الانترنت، التي يقذف فيها كل ما يراد قذفه في أي ساعة من ليل أو نهار، فيتلقفه كل من أراده، فتتسع بذلك شقة الانقسام والافتراق، ويتعصب كل لمن يعجبه من الأشخاص وما يعجبه من الكلام، ولم يقف بالأمر عند تخطئة من خطئ من أهل السنة، بل تعدى إلى النيل من بعض من لا يؤيد تلك التخطئة.
وفي أوائل عام (1424 هـ) كتبت رسالة نصح في هذا الموضوع بعنوان: «رفقا أهل السنة بأهل السنة»، قلت في مقدمتها: "ولا شك أن الواجب على أهل السنة في كل زمان ومكان التآلف والتراحم فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى.
وإن مما يؤسف له في هذا الزمان ما حصل من بعض أهل السنة من وحشة واختلاف، مما ترتب عليه انشغال بعضهم ببعض تجريحا وتحذيرا وهجرا، وكان الواجب أن تكون جهودهم جميعا موجهة إلى غيرهم من الكفار وأهل البدع المناوئين لأهل السنة، وأن يكونوا فيما بينهم متآلفين متراحمين، يذكر بعضهم بعضا برفق ولين".
وبعد صدور هذه الرسالة، اعترض عليها أفراد من أهل السنة –عفى الله عنا وعنهم- وقد أشرت إلى ذلك فيما كتبته في آخر رسالة: «الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع وبيان خطرها»، وهؤلاء الذين اعترضوا على هذه الرسالة في مقدمة من طلبت منهم الرفق بإخوانهم من أهل السنة، ولم أرد بأهل السنة في رسالة: «رفقا أهل السنة بأهل السنة» الفرق والأحزاب المنحرفة عما كان عليه أهل السنة والجماعة، كالذين ظهر حزبهم من المنصورة في مصر، وقال عن هذا الحزب مؤسسه مخاطبا أتباعه: "فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس ولا تأتي أحدا . . . إذ هي جماع كل خير، وغيرها لا يسلم من النقص!!". (مذكرات الدعوة والداعية ص 232 ط: دار الشهاب) للشيخ حسن البنا.
وقال أيضا: "وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار، أن نزنها بميزان دعوتنا، فما وافقها فمرحبا به، وما خالفها فنحن براء منه، ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه !!" (مجموعة رسائل حسن البنا ص 240، ط: دار الدعوة سنة 1411هـ).
ومقتضى هذا الكلام أنهم يرحبون بالرافضي إذا وافقهم، ويتبرؤون ممن خالفهم ولو كان سنيا على طريقة السلف.
وكالقابعين في لندن الذين يحاربون أهل السنة بما ينشرونه في مجلتهم التي سموها «السنة»، ومن ذلك نيلهم من علماء المملكة العربية السعودية، ووصفهم الدعاة الذين على شاكلتهم فيها بالأحرار، لإظهارهم معارضة العلماء والنيل منهم، ولاسيما المرجعية فيهم !!
وقد كتب أحد الفضلاء رسالة بعنوان: «مجلة السنة ؟؟؟» جمع فيها من مجلتهم جملة من ذلك.
وكالذين ظهرت دعوتهم من دلهي في الهند، وهي لا تخرج عن ست نقاط، ويغلب على أهلها الجهل وعدم الفقه في الدين، ولا يعرجون في دعوتهم على أهم المهمات، وهو إفراد الله بالعبادة والابتعاد عن الشرك، وهي دعوة الرسل جميعا، كما قال الله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، فإن الذين ابتلوا بدعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم والذبح لهم ليس لهم نصيب من دعوتهم!
وإني في هذه المقدمة أؤكد الوصية لشباب أهل السنة أن يعنوا بالاشتغال بالعلم، وشغل أوقاتهم بتحصيله؛ ليظفروا بالربح ويسلموا من الغبن الذي جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» أخرجه البخاري في صحيحه (6412)، وهو أول حديث في كتاب الرقاق، ومن أهم كتب العلماء المعاصرين التي ينبغي أن يعنوا بقراءتها مجموع فتاوى شيخنا إمام أهل السنة والجماعة في زمانه، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ومؤلفات شيخنا العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، ولا سيما أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ومؤلفات العالمين الكبيرين الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمهما الله.
وأوصي أيضا أن يستفيد طلاب العلم في كل بلد من المشتغلين بالعلم من أهل السنة في ذلك البلد، مثل تلاميذ الشيخ الألباني رحمه الله في الأردن، الذين أسسوا بعده مركزا باسمه، ومثل الشيخ محمد المغراوي في المغرب، والشيخ محمد علي فركوس والشيخ العيد شريفي في الجزائر، وغيرهم من أهل السنة، ومن النصح لأهل السنة أن من أخطأ منهم ينبه على خطئه ولا يتابع عليه، ولا يتبرأ منه بسبب ذلك، ويستفاد منه، لا سيما إذا لم يوجد من هو أولى منه في العلم والفضل.
وأوصي أن يحذر الشباب من الاشتغال بتتبع عثرات طلاب العلم وتتبع مواقع الانترنت التي تعنى بجمع عثراتهم والتحذير منهم بسببها، وقد أخطأ الشيخ محمد بن سليمان الأشقر خطأ فادحا في النيل من الصحابي أبي بكرة رضي الله عنه ومروياته، واهتمامه بمسألة ولاية المرأة، وفي كونها تشارك في تولية غيرها، ورددت عليه في رسالة بعنوان: «الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته، والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال»، وأنا إذ أحذر من زلته الشنيعة، لا أحذر من كتاباته المفيدة، وفي رجال الصحيحين وغيرهما رواة وصفوا ببدعة قبلت رواياتهم مع تنبيه أهل العلم على تلك البدع للحذر منها.
وفي أول رمضان من عام (1423 هـ) وقبل صدور رسالة: «رفقا أهل السنة بأهل السنة» بستة أشهر بعثت رسالة نصح لأحد من تأثر بهم بعض الشباب من أهل السنة، وقد رد عليها برسالة لطيفة دعا الله فيها أن ينفعه بهذه النصيحة، وذكر أنه ناصح الذي أشرت إليه في الرسالة، وأسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياه وسائر إخواننا من أهل السنة لكل ما يعود بالخير والعاقبة الحميدة، وأن يجنب الجميع كل ما يعود بالضرر والعاقبة الوخيمة في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.
وقد جاء في هذه الرسالة ما يلي:
وبعد، فإني أكتب إلى فضيلتكم هذه الكلمات راجيا أن تأخذوها بعين الاعتبار، «والدين النصيحة»، و«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، ومن حق المسلم على المسلم نصحه والتعاون معه على الخير.
1- ذكرتم لي في اللقاء الذي تم مع فضيلتكم قريبا أنكم أكبر مني سنا، وأنا في هذه الأيام قد دخلت في عقد الثمانين، وأنتم على هذا قد تقدمتم في هذا العقد، وعلى هذا، فإني كوني ممن درَّسكم في عام (1380 هـ) وما بعده يكون من قبيل رواية الأكابر عن الأصغار، ومثلي ومثلكم بحاجة إلى الاشتغال بالعلم النافع عن كل ما يترتب عليه فرقة بين أهل السنة.
2- سبق أن سمعت منكم قديما كلمة، وهي أنكم انشغلتم عن الاشتغال بالقرآن وتدبر معانيه بالاشتغال بالحديث ورجاله، وأقول: أنتم الآن اشتغلتم عن القرآن والحديث بالكلام في بعض أهل السنة وغيرهم، مما شغلكم عن الاشتغال بعلم الكتاب والسنة، فقل إنتاجكم العلمي في الآونة الأخيرة نتيجة لذلك، ولا شك أن مقاومة من ليسوا من أهل السنة ومن يحصل منهم إثارة الفتن والتقليل من شأن العلماء بزعم عدم فقههم للواقع هو في محله، ولكن الذي ليس في محله الاتجاه إلى تتبع أخطاء من هم من أهل السنة والنيل منهم لعدم موافقتهم لكم في بعض الآراء، فمثل هؤلاء لا ينبغي كثرة الاشتغال بهم، وإذا حصل ذكر بعض أخطائهم فلا ينبغي التشاغل بها وتكرارها وجعلها حديث المجالس، ثم عند المناقشة فيها يحصل منكم الغضب وارتفاع الصوت؛ فإن ذلك –بالإضافة إلى ما فيه من محذور- فيه تأثير على صحتكم.
3- اشتهر في هذه الأيام ذكر الجرح والتعديل والكلام في بعض أهل السنة وغيرهم، ونشر ذلك في شبكة الإنترنت، مما جعل الأسئلة تتوارد من أوربا وأمريكا وشمال إفريقيا وغيرها عن بعض من يحصل جرحهم منكم ومن الشيخ .. مع توسع الشيخ .. في الكلام في أعراض بعض المشايخ وطلبة العلم في الداخل والخارج، الذين نفع الله بمحاضراتهم ومؤلفاتهم والتحذير منهم، وما ترتب على ذلك من التهاجر والتنافر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، والمخطئ من أهل السنة يُحرَص على تشجيعه في الخير، مع تنبيهه على خطئه إذا كان خطؤه واضحا، ثم لا ينابذ ولا يهجر ولا يُحذر من الاستفادة منه.
وللتلازم الذي بينكم وبين الشيخ ... ونسبة التجريح إليكم وإليه، مع أنني أعتقد أنكم لا توافقونه في بعض كلامه في الأشخاص، فقد يُظن مع ذلك إضافة ما ليس منكم إليكم، ولهذا فإن الأمل فيكم ألا تُشغلوا أنفسكم بتجريح من هم من أهل السنة، وأن يكون لكم منه موقف يوقفه عند حده، حتى يسلم طلبة العلم وغيرهم في الداخل والخارج من الاشتغال بالقيل والقال وتوارد الأسئلة: ما قولكم في جرح فلان أو فلان لفلان أو فلان، مع أنه لا نسبة بينكم وبين هذا الشخص، فأنتم معروفون بالجد في التعلم والتعليم، ولكم مؤلفات نافعة، وقد تفوقتم على زملائكم أيام الدراسة، ولكم مؤلفات في العلم مفيدة، أما هو فكان من أواخر زملائه، وتقديره في النجاح: جيد، وليس له قَدَم في العلم، وليس له مؤلفات، وجل بضاعته الاشتغال في أعراض الناس، ولكم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أسوة، حتى قال بعضهم فيما بعد نادمين على ما حصل منهم: «يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين».
وأسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يرضيه، ويرينا الحق حقا ويوفقنا لاتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويوفقنا لاجتنابه، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.»