سم الله الرحمن الرحيم
منقول للفائدة:
أولا : مذاهب أهل العلم في الأخذ بالحديث الضعيف :
المذهب الأول: لا يُعمَلُ به مُطلَقاً: لا في الأحكام، ولا في الفضائل.هذا هو مذهب عامة السلف. وحكاه ابنُ سيّد الناس في "عيون الأثر" عن يحيى بن مَعين. وهو مذهب مالك والبخاري ومسلم وشُعبة ويحيى بن سعيد القطان وأبو حاتم الرازي. وعليه إجماع الصحابة.
قال الكوثري في "المقالات" (ص45): «والمنعُ من الأخذ بالضعيف على الإطلاق: مذهبُ البخاري، ومسلم، وابن العربي شيخ المالكية في عصره، وأبي شامة المقدسي كبير الشافعية في زمنه، وابن حزم الظاهري، والشوكاني. ولهم بيانٌ قويٌّ في المسألة لا يُهمل».
وفي تهذيب التهذيب (11\250): كان يحيى بن معين يقول: «من لم يكن سَمحاً في الحديث، كان كذّاباً!». قيل له: «وكيف يكون سمحاً؟». قال: «إذا شَكَّ في الحديث تركه». قلت: أما أنا فاخترت أن أكون سمحاً في الحديث. فاختر لنفسك المذهب الذي يسرك أن تراه يوم القيامة.
وحجة ابن معين وغيره من العلماء هو ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ». قال النووي في شرحه للحديث: يُرَى أي يَظُنُّ. وقال: «وأما فقه الحديث فظاهر. ففيه تغليظ الكذب والتعرض له، وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه فرواه، كان كاذباً. وكيف لا يكون كاذباً، وهو مخبِرٌ بما لم يكن؟!».
المذهب الثاني: أن يُعمَل به مُطلَقاً. وهو مذهب بعض العراقيين (خاصة من أهل الكوفة). ومذهب جمهور الصوفية، وكثيرٌ من الفقهاء المتأخرين.قال السيوطي في "تدريب الراوي" (ص108) عن الحديث الضعيف: «ويُعمَلُ به أيضاً في الأحكام إذا كان فيه احتياط»!! وقال صاحب "الدر المختار" (1\87): «وأما الموضوع فلا يجوز العمل به بحال. أي ولو في فضائل الأعمال». فعقّب عليه الشيخ أحمد الطحطاوي (ت1231هـ) في حاشيته: «أي: حديث كان مخالِفاً لقواعد الشريعة. وأما لو كان داخلاً في أصلٍ عام، فلا مانع منه! لا بجَعْلِه حديثاً، بل لدخولِه تحت أصلِ عام»!!!
وهذا مذهبٌ قبيحٌ جداً.قال النووي في الرد عليه في "شرحه على صحيح مسلم" (1\126): «وعلى كُلِّ حالٍ، فإن الأئمة لا يروُون عن الضعفاء شيئاً يحتجون به على انفراده في الأحكام. فإن هذا شئٌ لا يفعله إمامٌ من أئمة المحدِّثين، ولا مُحَقّقٌ من غيرهم من العلماء. وأما فِعلُ كثيرين من الفقهاء –أو أكثرِهم– ذلك، واعتمادُهم عليه، فليس بصواب. بل قبيحٌ جِداً. وذلك لأنه إنْ كان يَعرِفُ ضَعفه، لم يُحِلَّ له أن يحتجَّ به. فإنهم متفقون (أي علماء الإسلام) على أنه لا يُحتَجُّ بالضعيف في الأحكام. وإن كان لا يَعرِف ضَعفه، لم يحِلّ له أن يَهجُمَ على الاحتجاج به من غير بحثٍ عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفاً، أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفاً».
مع العلم أن من أجاز العمل بالحديث من المتقدمين من أهل العراق (كأحمد بن حنبل مثلاً)، إنما قصدوا الحديث الحسن، كما بينه شيخ الإسلام في بحث طويل له. وهذا هو الصواب. إذا كان الحديث الحسن هو من أنواع الحديث الضعيف عند المتقدمين. ولم يشتهر هذا اللفظ (كاصطلاح حديثي مشهور) إلا عند الترمذي. ولم ينتشر في كتب الفقهاء إلا في مرحلة متأخرة. ولذلك نقل ابن تيمية والنووي وغيرهما الإجماع على تحريم العمل بالحديث الضعيف (غير الحسن) في الأحكام. وإنما ظهرت طائفة خالفت هذا الإجماع بعدهما وعملت بالضعيف جداً، بل بالموضوع.
المذهب الثالث: جواز الاستشهاد بها في فضائل الأعمال ضمن شروط متشددة.
قال ابن حجر العسقلاني: إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة: الأول:وهو متفق عليه، أن يكون الضعف غير شديد. فيَخرج مَنِ انفَرَدَ من الكذّابين، والمُتّهَمين بالكذب، ومن فَحُشَ غَلَطُه. الثاني:أن يكون مُندَرِجاً تحت أصلٍ عام معمولٍ به، فيخرج ما يخترع، بحيث لا يكون له أصلٌ أصلاً. الثالث: أن لا يُعتقَدَ عند العمل به ثبوتُه، لِئَلا يُنْسَبُ ثبوته إلى النبي (ص) ما لم يقله. انتهى.
وهذه شروط دقيقة وهامة جداً، لو التزمها العاملون بالأحاديث الضعيفة، لكانت النتيجة أن تضيق دائرة العمل بها، أو تلغى من أصلها. وبيانه من ثلاثة وجوه:
أولاً: يدل الشرط الأول على وجوب معرفة حال الحديث الذي يريد أحدهم أن يعمل به، لكي يتجنب العمل به إذا كان شديد الضعف. وهذه المعرفة مما يصعب الوقوف عليها من جماهير الناس، وفي كل حديث ضعيف يريدون العمل به، لقلة العلماء بالحديث، لا سيما في العصر الحاضر. وأعني بهم أهل التحقيق الذين لا يحدّثون الناس إلا بما ثبَتَ من الحديث عن رسول الله (ص)، وينبّهونهم على الأحاديث الضعيفة، ويحذرونهم منها. بل إن هؤلاء هم أقلّ من القليل. فالله المستعان. من أجل ذلك تجد المبتَلين بالعمل بالأحاديث الضعيفة، قد خالفوا هذا الشرط مخالفةً صريحة. فإن أحدهم –ولو كان من أهل العلم بغير الحديث– لا يكادُ يقِفُ على حديثِ في فضائل الأعمال، إلا ويبادر إلى العمل به دون أن يعرف سلامته من الضعف الشديد. فإذا قيض له من ينبّهَهُ إلى ضَعفه، ركن فوراً إلى هذه القاعدة المزعومة عندهم: «يُعمَلُ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال». فإذا ذكّر بهذا الشرط، سكت ولم ينبُت ببني شفة!
وقد قال العلامة أحمد محمد شاكر: «والذي أراه أن بيان الضعف الشديد في الحديث الضعيف واجِبٌ في كُلّ حال. لأن ترك البيان، يوهم المطّلع عليه أنه حديث صحيح. والخلاصة أن الالتزام بهذا الشرط يؤدي عملياً إلى ترك العمل بما لم يثبت من الحديث، لصعوبة معرفة الضعف الشديد على جماهير الناس».
ثانياً: أن يلزم من الشرط الثاني: «أن يكون الحديث الضعيف مندرجا تحت أصل عام...» أن العمل في الحقيقة ليس بالحديث الضعيف، وإنما بالأصل العام. والعمل به وارد، وُجِدَ الضعيف أم لم يوجد. فيكون هذا الأصل قد دلت عليه أدلة صحيحة من الكتاب أو السنة الشريفة. أما إذا وجد الحديث الضعيف بدون أصلٍ عام، فهذا يعني أن العمل باطِلٌ من أساسه، لأنه لا دليل عليه. فثبت أن العمل بالحديث الضعيف بهذا الشرط شكلي، غير حقيقي. وهذا المُراد.
ثالثاً: إن الشرط الثالث يلتقي مع الشرط الأول في ضرورة معرفة ضعف الحديث، لكي لا يعتقد ثبوته. وقد عرفت أن الجماهير الذين يعملون في الفضائل بالأحاديث الضعيفة لا يعرفون ضعفها. وإذا اشتهر الحديث الضعيف وانتشر العمل به بين الناس، ينسى الناس مع مرور الوقت أن أساس هذا العمل قائم على حديث ضعيف وأنه لا دليل صحيح عليه، وهذا خلاف المراد.
قال الشيخ المحققُ جمال الدين الدوَّاني في رسالته "أُنْمُوذَج العلوم": «اتفقوا على أن الحديثَ الضعيفَ، لا تَثبُتُ به الأحكام الخمسة الشرعية، ومنها الاستحباب». ويؤيده قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1\250): «ولا يجوز أن يُعتَمَدُ في الشريعة على الأحاديث الضعيفة –التي ليست صحيحة ولا حسنة–. لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء، جَوّزوا أن يُروى في فضائل الأعمال، ما لم يُعلم أنه ثابت، إذا لم يُعلم أنه كذب. وذلك أن العمَلَ إذا عُلِمَ أنه مشروعٌ بدليلٍ شرعي، ورُوِيَ في فضلِهِ حديثٌ لا يُعلَمُ أنه كذب، جازَ أن يكون الثوابُ حقاً. ولم يَقُل أحدٌ من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديثٍ ضعيف. ومن قال هذا فقد خالف الإجماع».
فالحديث الضعيف لا يُعمل به مُطلقاً: لا في الفضائل والمستحبّات ولا في غيرهما. ذلك لأن الحديث الضعيف إنما يفيد الظن. والله –عز وجل– قد ذَمّه في غير موضع من كتابه فقال: {إن الظن لا يُغني من الحقّ شيئاً}. وقال: {إن يتبعون إلا الظن}. وقد قال رسول الله (ص): «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث». متفق عليه.
قال الشيخ الألباني في مقدمة "الترغيب والترهيب": «وجملة القول: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يدعوا العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقاً، وأن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت منها عن (ص). ففيها ما يغني عن الضعيفة. وفي ذلك منجاةٌ من الوقوع في الكذب على رسول الله (ص). والذين يُخالِفونَ في هذا، لا بُدّ وأنهم واقعون فيما ذكرنا من الكذب. لأنهم يعملون بكل ما هبّ ودبّ من الحديث. وقد أشار (ص) إلى هذا بقوله: «كفى بالمرء كَذِباً أن يحدّث بكلّ ما سمِع». أخرجه مسلم. وعليه نقول: كفى بالمرء ضلالاً أن يعمل بكل ما سمع!».
كتبه الشيخ محمد الأمين
أحد طلبة العلم ومتخصص في علم الحديث
[ البحث منقول من ملتقى أهل الحديث ]
ثانيا : حكم العمل في الحديث الضعيف :
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل فضيلة الشيخ د / عبد الكريم بن عبد الله الخضير عن حكم الاحتجاج والعمل بالحديث الضعيف ؟
فأجاب حفظه الله قائلا :
حكم العمل بالحديث الضعيف يحتاج إلي تفصيل :
1_ فالعمل بالضعيف في العقائد لا يجوز إجماعا .
2_ والعمل به في الأحكام جماهير أهل العلم على منعه .
3_ أما العمل به في الفضائل والتفسير والمغازي والسير فجمهور أهل العلم على جواز الاحتجاج به في هذه الأبواب شريطة أن يكون ضعفه غير شديد وأن يندرج تحت أصل عام وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط .
ونقل النووي وملا علي قاري الإجماع على العمل به في فضائل الأعمال لكن الخلاف فيه منقول عن جمع من أهل العلم كأبي حاتم وأبي زرعة وابن العربي والشوكاني والألباني واليه يومئ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ويدل عليه صنيع البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى .
وعلى هذا فلا يعمل بالحديث الضعيف مطلقا في أي باب من أبواب الدين ويذكر حينئذ للاستئناس ، وأشار ابن القيم إلى انه يمكن أن يرجح به أحد القولين المتعادلين .
فالصواب أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا مالم يغلب على الظن ثبوته فيصل إلى درجة الحسن لغيره .
وبالله التوفيق ،،،،،
منقول من المكتب العلمي للشيخ عبد الكريم الخضير
وقد وُضعت هذه الفتوى في ملتقى أهل الحديث
ملاحظة : من أراد التوسع في هذا فليرجع إالى ما ألفه الشيخ عبد الكريم في ( الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به ) .
منقول
وسئل الشيخ ابن جبرين:
س: ما حكم الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة والآثار الغير منسوبة بكثرة في محاضرة واحدة؟
الأحاديث الضعيفة يجوز العمل بها بشروط:
أحدها- ألا يكون الضعف شديدا.
والثاني- أن تكون داخلة تحت قاعدة عامة كفضائل الأعمال.
والثالث- ألا يعتقد صحتها عند العمل بها.
وعلى من استشهد بها أن يشير إلى ضعفها، أو يذكرها بصيغة التمريض.