تفسير سورة المسد
سورة المسد مكية عدد آياتها خمسة
- سبب نزولها :
روى البخاري عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى البطحاء . فصعد الجبل فنادى : " ياصباحاه " , فاجتمعت إليه قريش , فقال : " أرأيتم إن حدّثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم أكنتم تصدقوني ؟ " قالوا : نعم , قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " , فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك , فأنزل الله : " تبت يدا أبي لهب و تبّ " . إلى آخرها . و في رواية - عند البخاري أيضا - : فقام ينفض يديه , و هو يقول : تبا لك سائر اليوم , ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : " تبت يدا أبي لهب و تبّ " .
( تبت يدا أبي لهب ) أي خسرت و خابت , و ضل عمله و سعيه .
و هذه الجملة دعائية و لذا هلك - أبو لهب - بمرض خطير اسمه العدسة فمات و أقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن ولده أراقوا عليه الماء من بعيد مخافة عودى العدسة ؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى الطاعون .
و أبو لهب هذا هو أحد عمومة النبي صلى الله عليه و سلم و اسمه عبد العزّى , و قد اشتهر بكنيته و عرف بها لولدٍ له يقال له لهب , أو لتلهب وجنتيه و إشراقهما , مع الإشارة إلى أنه من أهل النار , و أن مآله إلى نار ذات لهب , فوافقت حاله كنيته , فحسن ذكره بها .
( و تبّ ) إخبار من الله تعالى بهلالك عبد العزّى أبي لهب .
( ما أغنى عنه ماله و ما كسب ) لما سخط الله عليه و أدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله و لا ولده , حيث ذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دعا قومه إلى الإيمان , قال أبو لهب : إذا كان ما يقول ابن أخي حقا , فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي , فأنزل الله : " ما أغنى عنه ماله و ما كسب " .
( سيصلى نارا ذات لهب ) أي نار ذات شرر و لهيب و إحراق شديد , فتحيط به من كل جانب جزاء ما كان يأتيه من مقاومة الحق و مجاحدته .
( و امرأتُه حمالة الحطب )
" وامرأتُه " هي أم جميل العوراء , كانت من سادات نساء قريش , و اسمها أروى بنت حرب بن أمية و هي أخت أبي سفيان , و قد كانت عونا لزوجها على كفره و جحوده و عناده , فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم .
" حمالة الحطب " حيث كانت تأتي بشوك السعدان و تضعه في طريق النبي صلى الله عليه و سلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام.
أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها .
و قيل لأنها كانت تحطب الكلام و تمشي بالنميمة كما قاله مجاهد و عكرمة و قتادة . قال الزمخشري : و يقال للمشّاء بالنمائم بين الناس , يحمل الحطب بينهم , أي يوقد بينهم و يورث الشر .
( في جيدها حبل من مسد ) قال مجاهد و عروة : من مسد النار , و قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة , فقالت : لأنفقها في عداوة محمد , يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار , و عن الشعبي قال : المسد : الليف .
قال مجاهد : " في جيدها حبل من مسد " أي طوق من حديد , ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مسد ؟
قال بعض أهل العلم : أي في عنقها حبل من نار جهنم تُرفع به إلى شفيرها , ثم ترمى بها إلى أسفلها , ثم كذلك دائما .
قال الإمام : قد أنزل الله في أبي لهب و في زوجته هذه السورة , ليكون مثلا يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيه , مطاوعة لهواه و إيثارا لما ألفه من العقائد و العوائد و الأعمال , و اغترار بما عنده من الأموار , و بماله من الصولة أو من المنزلة في قلوب الرجال , و أنه لا تغني عنه أمواله و لا أعماله شيئا , و سيصلى ما يصلى , نسأل الله العافية .
منقول