كتاب الأدب
باب من أحق الناس بحسن الصحبة
2007- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك. قال: ثم من ؟ قال: أمك. قال: ثم من ؟ قال: أمك. قال: ثم من ؟ قال: أبوك.
الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا.
وعبر عنه بعضهم بأنه: الأخذ بمكارم الأخلاق.
وقيل: الوقوف مع المستحسنات.
وقيل: هو تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك.
الفوائد:
قال ابن بطال: مقتضاه أن تكو للأم ثلاثة أمثال ما للأدب من البر. قال: وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع. فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية.
وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين. فسوى بينهما في الوصاية وخص الأم بالامور الثلاثة.
قال القرطبي: المراد أن الام تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة.
وقال عياض: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب.
يفيد ما تقدم وبأدلة أخرى على تقديم بر الأم مطلقا، ومن بين هذه الأدلة ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة. قال: زوجها. قلت: فعلى الرجل؟ قال: أمه.
وروى أبو داود والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي.
وروى البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت. فذهبت فسألت ابن عباس لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة.
باب لا يسب الرجل والديه
2008- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه.
الفوائد:
استبعد السائل أن يلعن الرجل والديه، لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر، لكن قد يقع منه التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه.
قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في سد الذرائع، ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى محرم.
الأصل ف هذا الحديث قوله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله.
استنبط الماوردي من هذا الحديث منع بيع الثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه، والغلام الأمرد ممن يتحقق أن يفعل به الفاحشة، والعصير ممن يتحقق أن يتخذه خمرا.
باب إثم القاطع
2009- عن جبير بن مطعم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع.
الفوائد:
الحديث يدل على عظم إثم قاطع الرحم.
روى أبو داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم.
وروى البخاري في الادب المفرد عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يتعوذ من إمارة الصبيان والسفهاء، فقال سعيد بن سمعان، فأخبرني ابن حسنة الجهني أنه قال لأبي هريرة ما آية ذلك ؟ قال: أن تقطع الأرحام، ويطاع المغوي، ويعصى المرشد.
باب من وصل وصله الله
2010- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعته.
2011- عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول: إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلاها.
فوائد الحديث الأول:
الرحم شجنة: بكسر الشين وسكون الجيم، وجاء شجنة بالضم وبالفتح أيضا.
والشجنة أصلها عروق الشجر المشتبكة، والشجن بالتحريك واحد الشجون، وهي طرق الأودية، زمنه قولهم الحديث ذو شجون، أي يدخل بعضه في بعض.
من الرحمن: أي أخذ اسمها من هذا الاسم، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعا: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمها من اسمي.
قال الإسماعيلي: معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن، فلها به علقة، وليس معناه أنه من ذات الله.
قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.
وأما الرحم الخاصة فتزيد النفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم، وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما في حديث: الاقرب فالأقرب.
قال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال والعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء، وبالمعى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى.