باسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هنا تجدون كلام أهل العلم في مسألة الجهر أو الاسرار بالذكر دبر الصلاة المكتوبة.
----------------------------------------
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو، عضو، نائب الرئيس، الرئيس
عبدالله بن قعود، عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
س1: ماحكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة
(صلاةالفريضة) وهل يعم جميع الصلوات أم في صلوات معينة وهل يكره إذا كانت هنالك جماعة أخرى أو أفراد يصلون
، وماهي الأذكارالمستحب جهر الصوت بها بعد الفريضة، وما حكم جهر الصوت بالدعاء وقراءة القرآن ؟
ج1: يشرع رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المكتوبة، لما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام)
وأنه قال أيضا (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته)(77)
، ولو وجد أناس يقضون الصلاة سواء كانوا أفرادا أوجماعات وذلك في جميع الصلوات الخمس المفروضة .
وأما الأذكار المستحبة فثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا سلم استغفر ثلاثا وقال «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام»، وفي صحيح مسلم والبخاري أنه كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لاإله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لامانع لما أعطيت ولامعطي لما منعت ولاينفع ذا الجد منك الجد» وفي صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: «لاإله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرلاحول ولاقوة إلا بالله لا إله إلاالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لاإله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»
وفيه أيضا أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله r فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: «وماذاك؟» قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقــــون ولا نعتق، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام «أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم الإ من صنع مثلما صنعتم» قالوا: بلى يارسول الله، قال: «تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة»(78) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمدالله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون وقال تمام المائة لاإله إلا الله وحده لا شريك له غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»(79).
أما رفع الصوت بالدعاء وقراءة القرآن بصفة جماعية فهذا لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته وفعله بدعة أما إذا دعا الإنسان لنفسه أو قرأ لنفسه جهرا فلا شيء فيه إذا لم يتأذ به غيره، وهكذا الدعاء الذي يؤمن عليه كدعاء القنوت .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
******************************************
صالح بن عبد الله الفوزان حفظه الله
ما قولك في الجهر بالدعاء والذكر مطلقًا، وبعد الصلاة خاصة؟ وهل يكون الدعاء والذكر جهرًا أم سرًّا أم بينهما؟
أما الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم والمشروع؛ فالإنسان مخير بين أن يجهر به وأن يسرّ، قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [سورة الأعراف: آية 55]، والله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى، فيجوز أن تدعو جهرًا وأن تدعوا سرًّا؛ إلا إذا كان الجهر يترتب عليه إضرار بمن حولك من النائمين أو المصلين أو الذين يقرؤون القرآن الكريم؛ فإنك تُسرُّ، أو إذا خفت على نفسك من الرياء والسمعة؛ فإنك تسر في الدعاء؛ لأن هذا أدعى للإخلاص.
والجهر يلاحظ أنه ليس بصوت جماعي كما يفعل بعض الناس، إنما كل إنسان يدعو لنفسه سرًّا وجهرًا، أما الدعاء الجماعي؛ فهو من البدع.
وأما الذكر بعد الصلاة؛ فإنه من السنة الجهر به، حسبما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصحابة كانوا يجهرون بالذكر بعد الصلاة؛ بالتهليل والاستغفار بعد السلام (الاستغفار ثلاثًا)، ثم: (اللهم إنك أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، (لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد)... إلى آخر هذه الأذكار الواردة؛ يجهر بها (4)، لكن على صفة فردية، لا على صفة جماعية كما ذكرنا أولاً؛ فإن الذكر الجماعي هذا من المبتدعات، وإنما كلٌّ يذكر لنفسه، ويجهر بذلك بعد الصلاة.
----------------------------------------------------
محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله
سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الجهر بالذكر بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يجهر به كما كان عليه الصلاة والسلام يجهر بذلك، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والناس إذا رفعوا أصواتهم جميعاً لم يشوش بعضهم على بعض. لكن يشوش بعضهم على بعض إذا كان أحدهم يجهر والآخر يسر، والذي يسر لاشك أنه يشوش عليه، فإذا كان الذي يقضي إلى جنب الإنسان وخاف أن يشوش عليه فحينئذ لا يرفع صوته على وجه يشوش، حتى على الذين يقضون؛ لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش، كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش.
وسئل فضيلته أيضا نفس السؤال فأجاب :
أن الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة، دل عليها ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته". ورواه الإمام أحمد وأبو داود وهذا الحديث من أحاديث العمدة، وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له". الحديث، ولا يسمع القول إلا إذا جهر به القائل.
وقد اختار الجهر بذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وجماعة من السلف، والخلف، لحديثي ابن عباس، والمغيرة – رضي الله عنهم – والجهر عام في كل ذكر مشروع بعد الصلاة سواء كان تهليلاً، أو تسبيحاً، أو تكبيراً، أو تحميداً لعموم حديث ابن عباس، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق بين التهليل وغيره بل جاء في حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وبهذا يعرف الرد على من قال لا جهر في التسبيح والتحميد والتكبير.
وأما من قال: إن الجهر بذلك بدعة فقد أخطأ فكيف يكون الشيء المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة؟! قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: (ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره، وكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك فعلموه بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم، وعملوا وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به ولم ينكره عليهم).
وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).
فنقول له: إن الذي أمر أن يذكر ربه في نفسه تضرعاً وخيفة هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة، فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله، أو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم المراد ولكن خالفه، ثم إن الآية في ذكر أول النهار وآخره (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) وليست في الذكر المشروع خلف الصلوات، وقد حمل ابن كثير في تفسيره الجهر على الجهر البليغ.
وأما احتجاج منكر الجهر أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم". الحديث.
فإن الذي قال: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم" هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله.
ثم إن السياق في قوله: "اربعوا على أنفسكم" يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعاً بليغاً يشق عليهم ويتكلفونه، ولهذا قال: "أربعوا على أنفسكم". أي: ارفقوا بها ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد.
أما من قال: إن في ذلك تشويشاً.
فيقال له: إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش، إن أردت أنه يشوش على المصلين، فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع، لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي فإن كان قريباً منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيداً منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك.
وبما ذكرنا يتبين أن السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح ولا بنظر صريح، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، إنه قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.