حكم تعارض الجرح والتعديل
من الأبحاث المهمة التي يترتب عليها معرفة أحوال الرواة حكم تعارض الجرح والتعديل الذي نجده بكثرة بالغة في كلمات أئمة الجرح والتعديل ، ولم يسلم منه كبار أئمتهم المعروفين كمالك والشافعي والبخاري ومسلم وأبي حنيفة وصاحبيه محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف القاضي والنسائي وغيرهم ممن يقف عليه المتتبع ، حتى قال الذهبي بعد أنْ ذكر أنّ طعن الأقران ونحوه لا
الإنصاف في مسائل الخلاف ج1 .......................................................................... 101
يعتـد به : ولو شئت لسـردت لك من ذلك كراريس . (1)
فإذا كان حال من إمامته مسلمة عندهم لا يسلم من القدح عند نفس أئمة الجرح والتعديل المعتمدين لديهم ، فكيف حال من كان منهم ممن لم يصل إلى مقام الإمامة أو الذي لم يشتهر أمره كاشتهار غيره ، وإذا كان هذا أمر من يتفق معهم في الإعتقاد فيكف هو حال من يختلف معهم في الاعتقادات كالشيعة والمعتزلة ، وإذا كانت الاختلافات البسيطة تخرجهم عن الإنصاف وما هـو مقتضى التقـوى في تقييم الناس ، فكيـف يمكن الاطمئنان إليهم بعد ذلك مع اتساع رقعة الاختلاف بينهم وبين من يتعرضون له بالقدح .
وبالجملة فكم الرواة الذين يتعارض بشأنهم الجرح والتعديل هو كم هائل جداً ، ويشمل عددا كبيراً ممن احتج به البخاري ومسلم وغيرهما ، بل ممن تعد إمامتهم اليوم عند السنة من المسلمات ، والمشهور منهم أعطته شهرته ومعروفيته حصانة من أنْ لا يرتبوا أثراً على ما قيل فيه من القدح والذم البالغ كأبي حنيفة وصاحبيه وعلي بن المديني والبخاري والطبراني وغيرهم ، ولكن من لم يصل إلى هذا الحد من الاشتهار فإنه يقع تحت رحمة علماء الجرح والتعديل
(1) ميزان الإعتدال ج1 ص 201 رقم 637 .
102 ................................................. قيمة اتهام الرواة بالتشيع في كلمات علماء السنة
والمتصدين لمسائله كالذهبي وابن حجر وغيرهما ، وقد تبين مما تقدم أنهم أنفسهم ونتيجة التفاتهم إلى هذه الحقيقة حكموا بعدم قبول الجرح الذي لم يبين سببه ، بل عدم قبول حتى ما تبين سببه في حق كبار أئمتهم كما تقدم بيان ذلك .
ومما تقدم يظهر أنّ تعارض الجرح والتعديل عندهم لا يقتضي بالضرورة تساقطهما ، بل في موارد كثيرة لابد من تقديم التعديل على الجرح ، ولهذا كان النسائي مع كونه من المتشددين في الجرح والتعديل ذهب إلى العمل بحديث من لم يجمع على تركه ، ولم يعتبر محققوهم كابن حجر ذلك إفراطاً منه ولا تهاوناً ، بل اعتبروه مطابقاً لمقتضى القواعد بعد ملاحظة ما عليه أمر الجرح والتعديل عندهم .
ولا بأس بنقل كلام ابن دقيق العيد الذي يُعد من كبار فقهاء السنة أثناء حديثه عن حجية كلماتهم في تضعيف الرواة حيث يقول :
وهذا الباب تدخل فيه الآفة من وجوه ، أحدها : وهو شرها ، الكـلام بسبب الهوى والغرض والتحامل ، وهذا مجانب لأهل الدين وطرائقهم ، وهذا وإنْ نُزه عنه المتقدمون (1) لتوفر أديانهم ، فقد تأخر أقوام
(1) وقد تقدم ما فيه الكفاية مما يدل عن عدم تنزههم عن ذلك .
الإنصاف في مسائل الخلاف ج1 .......................................................................... 103
ووضعوا تواريخ ربما وقع فيها شيء من ذلك . (1) إلى أنْ قال :
وثانيها : المخالفة في العقائد ، فإنها أوجبت تكفير الناس بعضهم لبعض أو تبديعهم وأوجبت عصبية اعتقدوها ديناً يتدينون به ويتقربون إلى الله تعالى ، ونشأ من ذلك الطعن بالتكفير أو التبديع ، وهذا موجود في الطبقة الوسطى من المتقدمين ، والذي تقرر عندنا أنه لا تُعتبر المذاهب في الرواية . (2)
(1) الإقتراح في بيان الإصطلاح ص 288 ط ز دار البشائر الإسلامية / حلب .
(2) الإقتراح في بيان الإصطلاح ص 291 .
منقووووووووووووول