قال الألباني رحمه الله في تمام المنة
عدم الاعتماد على سكوت أبي داود
اشتهر عن أبي داود أنه قال في حق كتابه " السنن " : "
ما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بينته , وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح " . فاختلف العلماء في فهم مراده من قوله : " صالح " فذهب بعضهم إلى أنه أراد أنه حسن يحتج به . وذهب آخرون إلى أنه أراد ما هو أعم من ذلك , فيشمل ما يحتج به , وما يستشهد به , وهو الضيف الذي لم يشتد ضعفه .
وهذا هو الصواب بقرينة قوله : وما فيه وهن شديد بينته , فإنه يدل بمفهومه على أن ما كان فيه وهن غير شديد لا يبينه " .
فدل على أنه ليس كل ما سكت عليه حسنا عنده , ويشهد لهذا وجود أحاديث كثيرة عنده لايشك عالم في ضعفها , وهي مما سكت أبو داود عليها , حتى إن النووي يقول في بعضها : وإنما لم يصرح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر " . ومع هذا فقد جرى النووي رحمه الله على الاحتجاج بما سكت عنه أبو داود في كثير من الأحاديث , ولم يعرج فيها على مراجعة أسانيدها , فوقع بسبب ذلك في أخطاء كثيرة . وقد رجح هذا الذي فهمناه عن أبي داود العلماء المحققون أمثال ابن منده والذهبي وابن عبد الهادي وابن كثير , وقد نقلت كلماتهم في مقدمة كتابي " صحيح أبي داود " .
ثم وقفت على كلام الحافظ ابن حجر في هذه المسألة , وقد ذهب فيه إلى هذا الذي ذكرناه وشرحه واحتج له بما لا تراه لغيره , ولولا خشية الإطالة لنقلته هنا , فأكتفي بالإحالة إلى مصدره وهو " توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار " ( 1 / 196 - 199 ) للإمام الصنعاني .