بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام، وعلى آله و اصحابه البررة الاطهار، ومن سار على نهجهم و اقتفى آثارهم إلى يوم الدين، و بعد معاشر الفضلاء، فهذه درر من فوائد علم أسباب النزول وهو من علوم القرآن التي يحتاجها كل طالب لفهم كتاب الله، و استنباط الاحكام منه، و إليكم بعض هذه الفوائد مختصرة :
الفائدة الأولى:معرفة حكمة الله تعالى على التعيين فيما شرعه بالتنزيل وهذه فائدة عظمى لأن فيها نفعا عاما للمؤمن وغير المؤمن,أما المؤمن فيزداد إيمانه,ويحرص على تنفيذ إحكام الله تعالى في الأرض,والعمل بكتابه لما ينكشف له من المصالح والمزايا التي نيطت بهذه الأحكام التي نزل من أجلها القرآن وذلك كقوله تعالى في سورة النحل(إن الله يأمر بالعدل والإحسان واتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون),ومن ذلك أيضا قوله تعالى في سورة الأحزاب(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)فقد أنزلت هذه الآية لما كانت النساء يخرجن بالليل إلى حاجاتهن,وكان المنافقون يتعرضون لهن ويؤذونهن,فجاء الأمر الإلهي ليرشدنا إلى الحكم الدائم الذي تتميز به المرأة المؤمنة عن المرأة الكافرة وعن الأمة المملوكة.
هذا بالنسبة للمؤمن أما فيما يخص الكافر فان تلك الحكم الباهرة تهديه إلى الإيمان بالله تعالى لما يعلم من أسرار التشريع الإسلامي انه قائم على مصالح الإنسان لا على الاستبداد والتحكم والطغيان,وما تحريم الربا والخمر والرشوة وغيرها من المفاسد التي فيها ظلم الإنسان لنفسه وغيره إلا شواهد على ذلك.
الفائدة الثانية: فهم الآية فهما صحيحا بعيدا عن الغموض واللبس,لأنه لا يمكن معرفة تفسير الآية تفسيرا صحيحا الا بالوقوف على قصتها, وبيان نزولها, وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية رحمه الله:"معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية, فان العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب".
وذلك كقوله تعالى(لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) فقد أشكل معنى الآية على مروان بن الحكم فقال:لئن كان كل امرئ فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون,وبقي في إشكاله هذا حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه أي طلبوا منه أن يحمدهم على ما فعلوا,وهناك زال الإشكال عنه,وفهم مراد الله من كلامه هذا ووعيده.
الفائدة الثالثة: دفع توهم الحصر عما يفيد ظاهرة الحصر,وذلك كقوله تعالى في سورة الأنعام(قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس ,أوفسقا أهل لغير الله به, فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم)فذهب الشافعي إلى أن الحصر في هذه الآية غير مقصود,واستعان على دفع توهمه,بأنها نزلت بسبب أولئك الكفار الذين أبوا إلا أن يحرموا ما أحل الله ويحلوا ما حرم الله عنادا منهم ومحادة لله ورسوله فنزلت الآية بهذا الحصر.نقل السبكي عن الشافعي قوله:"إن الكفار لما حرموا ما أحل الله,وأحلوا ما حرم الله,وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم,فكأنه قال :لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه,نازلة منزلة من يقول لك:لا تأكل اليوم حلاوة فتقول: لا آكل اليوم إلا حلاوة,والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة ,فكأنه قال تعالى,لا حرام الا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به,ولم يقصد حل ما وراءه إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل."
الفائدة الرابعة: تخصيص الحكم بالسبب عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ فآيات الظهار في مفتتح سورة المجادلة وهي(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله, والله يسمع تحاوركما,ان الله سميع بصير)سببها أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت حكيم بنت ثعلبة, والحكم الذي تضمنته الآيات خاص بهما وحدهما(على هذا الرأي) أما غيرهما فيعلم بدليل آخر قياسا أو سواه, وبدهي أنه لا يمكن معرفة المقصود بهذا الحكم ولا القياس عليه إلا إذا علم السبب.
الفائدة الخامسة: معرفة أن سبب النزول غير خارج عن حكم الآية إذا ورد مخصص لها’ وذلك لقيام الإجماع على أن حكم السبب باق قطعا, فيكون التخصيص قاصرا على ما سواه, فلو لم يعرف سبب النزول لجاز أن يفهم أنه مما خرج بالتخصيص مع أنه لا يجوز إخراجه قطعا للإجماع المذكور. ولهذا يقول الغزالي في المستصفى" ولذلك يشير إلى امتناع إخراج السبب بحكم التخصيص بالاجتهاد".
الفائدة السادسة: معرفة من نزلت فيه الآية على التعيين حتى لا يشتبه بغيره فيتهم البريء ويبرأ المريب, ولهذا ردت عائشة على مروان حين أتهم أخاها عبدالرحمن بن أبي بكر بأنه الذي نزلت فيه آية(والذي قال لوالديه أف لكما)وقالت:"والله ماهو به, ولو شئت أن اسميه لسميته".
الفائدة السابعة: تيسير الحفظ وتسهيل الفهم, وتثبيت الوحي في ذهن كل من يسمع الآية اذا عرف سبب نزولها, وذلك لأن ربط الأسباب بالمسببات والأحكام بالحوادث, والحوادث بالأشخاص, والأزمنة والأمكنة كل هذا يساعد على ترسيخ الأشياء وانتقاشها في الذهن, فالعلم بالسبب يورث العلم بالمسبب".
هذا ما تيسر جمعه،و نسأل الله ان ينفعنا بما قلنا و ان يجعله في ميزانة حسناتنا،و الحمد لله رب العالمين.
م-ن-ق-و-ل