ورد حديث [لعن الله المحلل والمحلل له] عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهم كالتالي:
1- حديث ابن مسعود:
أخرجه أحمد(4283) (4284) (4403) والترمذي(1120) والنسائي في السنن الكبرى(3/325/5536) وابن أبي شيبة(7/292) والدارمي(2258) والبيهقي(7/339) مختصرا ومطولا من طرق عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال:
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأبو قيس الأودي اسمه عبد الرحمن بن ثروان.
وقد صححه ابن القطان وابن دقيق على شرط البخاري كما ذكر ذلك الحافظ في التلخيص(3/372).
قلت: أبو قيس الأودي ذكره الحافظ في التهذيب(5/65) وقال:
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: يخالف في أحاديث.
وقال عباس الدوري عن ابن معين: ثقة يقدم على عاصم.
وقال العجلي: ثقة.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ. قيل له: كيف حديثه؟ فقال: صالح، هو لين الحديث.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وذكره ابن حبان في الثقات. انتهى
وبقية رجال الإسناد ثقات.
وللحديث طريق أخرى عن ابن مسعود، فقد أخرجه أحمد(4308) والشاشي(2/286/862) وأبو يعلى(8/468/5054) والبغوي في شرح السنة(5/78/228) وإسحاق بن راهويه في مسنده كما في نصب الراية للزيلعي(3/239) من طرق عن عبيد الله عن عبد الكريم عن أبي الواصل عنه.
وهذا إسناد ضعيف من أجل أبي الواصل، فهو مجهول كما قال الحسيني في الإكمال(ص:561) وأقره الحافظ في تعجيل المنفعة(ص:527).
وله طريق أخرى عند عبد الرزاق في المصنف(6/267) يرويها عن معمر عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث عن ابن مسعود قال: آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه إذا علموا، والواصلة والمستوصلة، ولاوي الصدقة والمتعدي فيها، والمرتد على عقبيه أعرابيا بعد هجرته، والمحلل والمحلل له، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
لكن الحارث وهو الأعور ضعيف كما قال غير واحد منهم الهيثمي في المجمع(4/118).
وقد ورد هذا الحديث من طرق عن ابن مسعود، لكن ليس فيها المحلل والمحلل له، ليس هذا موضع ذكرها.
2- حديث أبي هريرة:
أخرجه أحمد(2/323) وابن الجارود في المنتقى(684) والبيهقي في السنن الكبرى(7/339) وابن أبي حاتم في العلل(1/413) والترمذي في العلل الكبير(273) من طريق عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة.
قال الزيلعي فينصب الراية(3/240):
" عبد الله بن جعفر وثقه أحمد وابن المديني وابن معين وغيرهم، وأخرج له مسلم في صحيحه، وعثمان بن محمد الأخنس وثقه ابن معين، وسعيد المقبري متفق عليه، فالحديث صحيح ".
وقد حسنه البخاري فيما نقله عنه الترمذي في العلل(1/160) ونقله عنه أيضا الحافظ ابن حجر في التلخيص(3/373).
3- حديث ابن عباس:
أخرجه ابن ماجه(1934) حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال:
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له.
وهذا إسناد ضعيف، زمعة بن صالح ضعيف كما قال الحافظ في التلخيص(3/372) والبوصيري في الزوائد(2/112).
4- حديث عقبة بن عامر:
أخرجه وابن ماجه(1936) والدارقطني(3576) والحاكم(2/199) والبيهقي(7/339/14187) وابن الجوزي في العلل المتناهية(2/646) من طريق الليث قال: قال لي أبو مصعب مشرح بن هاعان ، قال عقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال: وقد ذكر أبو صالح كاتب الليث عن ليث سماعه من مشرح.
أعل هذا الحديث بثلاث علل، وهي: أبو صالح كاتب الليث، مشرح بن هاعان، والانقطاع بين الليث ومشرح.
بالنسبة للعلة الأولى، وهي الكلام في أبي صالح كاتب الليث، فقد قال عنه أحمد رحمه الله: ليس بشيء، ضربنا على حديثه. وقال ابن المديني: ضربت على حديثه، وما أروي عنه شيئا. وقال النسائي: ليس بثقة. كذا في التهذيب(4/339-340).
والجواب أنه توبع، فقد تابعه عثمان بن صالح عند ابن ماجه والبيهقي. وهو صدوق كما في التقريب(2/10).
أما العلة الثانية، وهي أنه تكلم في مشرح، وقال عنه ابن حبان في المجروحين(2/367):
أحاديثه مناكير لا يتابع عليها.
والجواب أنه وإن جرحه ابن حبان إلا أنه ذكره في الثقات(5/452) وقال: يخطئ ويخالف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد وثقه غيره، قال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة.
وقال حرب عن أحمد: معروف. كذا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(8/431) والتهذيب(8/183).
وكذا وثقه العجلي كما في معرفة الثقات(2/279).
أما البخاري فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا كما في تاريخه(8/45)
قال ابن عدي في الكامل(6/469):
أرجو أنه لا بأس به.
بالنسبة للعلة الثالثة، أي الانقطاع، ففي المراسيل لابن أبي حاتم(ص:180/رقم:656):
حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير وسمعته يقول لم يسمع الليث من مشرح بن هاعان شيئا ولا يروى عنه.
وفي العلل لابن أبي حاتم(1/411/رقم:1232):
ذكرت هذا الحديث ليحيى بن عبد الله بن بكير وأخبرته برواية عبد الله بن صالح وعثمان بن صالح فأنكر ذلك إنكارا شديدا وقال: لم يسمع الليث من مشرح شيئا ولا روى عنه شيئا، وإنما حدثني الليث بن سعد بهذا الحديث عن سليمان بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو زرعة: والصواب عندي حديث يحيى يعني ابن عبد الله بن بكير.
وقال الترمذي في العلل الكبير:
الليث بن سعد ما أراه سمع من مشرح بن هاعان.
وقد رد دعوى الانقطاع الزيلعي في نصب الراية(3/239) حيث قال:
قلت: قوله في الإسناد: قال لي أبو مصعب يرد ذلك، ورواه الدارقطني في سننه معنعنا عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن مشرح به، وكذلك حسنه عبد الحق، لأنه ذكره من جهة ابن ماجه، فإن شيخ ابن ماجه يحي بن عثمان ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين، وأثنى عليه بعلم وضبط، وأبوه عثمان بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري، وأما مشرح بن هاعان فوثقه ابن القطان، ونقل عن ابن معين أنه وثقه، والعلة التي ذكرها ابن أبي حاتم لم يعرج عليها ابن القطان ولا غيره. انتهى
وقال الحافظ في التلخيص(3/373):
قلت: ووقع التصريح بسماعه في رواية الحاكم، وفي رواية ابن ماجه عن الليث قال لي مشرح.
وعليه فإن الحديث لا انقطاع فيه، والله أعلم، وقد حسنه عبد الحق في أحكامه كما قال الزيلعي في نصب الراية.
5- حديث عبيد بن عمير:
أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة(2/229) من طريق عبيد بن عمير الليثي عن أبيه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن رسول الله ص المحل والمحلل له والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.
وإسناده ضعيف كما قال الحافظ في التلخيص(3/373).
6- حديث علي بن أبي طالب:
أخرجه أحمد(635) والترمذي(1119) وابن ماجه(1935) وابن الجوزي في العلل المتناهية(2/647) من طرق عن مجالد عن الشعبي عن الحارث عن علي.
وهذا إسناد ضعيف، مجالد هو ابن سعيد، قال الترمذي: قد ضعفه بعض أهل العلم منهم أحمد بن حنبل.
وكذا الحارث، وهو الأعور، وقد ضعفه غير واحد منهم الهيثمي في المجمع(4/118).
وأخرجه ابن ماجه(1935) عن ابن عون.
والبيهقي في السنن الكبرى(14183) عن قتادة.
وأحمد عن جابر(844) (1288)، وكذا هو وأبو داود(2076) والبيهقي(14183) عن إسماعيل(980) وعن حصين بن عبد الرحمن(1364) كلهم عن الشعبي عن الحارث به.
وأخرجه أحمد(721) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي.
معنى الحديث:
قال الإمام البغوي في شرح السنة(5/79):
أراد به أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا، فنكحت زوجا آخر حتى يصيبها، فتحل للأول، ثم يفارقها، فهذا منهي عنه، فإن شرط في العقد مفارقتها فالنكاح باطل عند الأكثرين، كنكاح المتعة، وسمي محللا لقصده إليه وإن كان لا يحصل بالتحليل به، وقيل : يصح النكاح ويفسد الشرط، ولها صداق مثلها، فأما إذا لم يكن ذلك في العقد شرطا، وكانت نية وعقيدة، فهو مكروه غير أن النكاح صحيح، وإن أصابها ثم طلقها وانقضت عدتها، حلت للأول عند أكثر أهل العلم.
وقال إبراهيم النخعي: لا تحل إلا أن يكون نكاح رغبة، فإن كانت نية أحد الثلاثة: إما الزوج الأول أو الثاني أو المرأة التحليل فالنكاح باطل، وقال سفيان الثوري: إذا تزوجها على نية التحليل للأول ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارقها، ويستأنف نكاحا جديدا، وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال مالك: يفرق بينهما بكل حال.