العقد الثمين
بذكر الفوائد والقواعد المنتقاة من شروح الشيخ العثيمين
- رحمه الله تعالى .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
أما بعد :
فلقد كانت كتب وأشرطة شيخنا علامة عصره وشيخ الإسلام في دهره – ولا فخر - العالم الرباني والأصولي البارع ، والفقيه المحقق ، مفيد الطالبين ومفتي الحائرين ، بقية السلف الصالح شيخنا الإمام العلامة أبي عبد الله محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- ، كانت كتبه وأشرطته المعين العذب الذي نهلت منها العلوم الشرعية بعد كتاب الله – جل وعلا – وسنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم - .
وما كان إقبالي هذا على موروث الشيخ – رحمه الله - إلا لما وجدت في كتبه ما لم أجد عند غيره ، فقد حوت في ثناياها من الخير العظيم ، والفوائد والقواعد والتحقيق في المسائل ما الله به عليم ،،،،،،
وقد كنت أقيد بعض القواعد والمسائل والفوائد والنصائح الهامة التي تمر بي أثناء قراءتي لكتبه ، أو أثناء إستماعي إلى أشرطته ، وذلك حرصاً مني على حفظها ، وإستظهارها ، وعدم نسيانها ،،،،،
وها أنا اليوم أضع بين أيديكم إخواني الكرام هذه القلائد من فرائد الفوائد التي جمعتها خلال سنين مضت من حياتي
وذلك حرصاً مني على إفادتكم ، وقد إنتقيت منها ما رأيته أكثر فائدة ، وأعظم أهمية ، وقد سميت هذه المجموعة بـ
(( العقد الثمين في ذكر الفوائد والقواعد المنتقاة من شروح الشيخ العثيمين )) .
وسأكتب هذه الفوائد تباعاً ، بين فينة وأخرى ، إن شاء الله تعالى.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به ، و يجعله لطلبة العلم فيه أسوة ، كما أسأله سبحانه أن يجمعنا بشيخنا إبن عثيمين مع نبينا صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه في الفردوس الأعلى في جنات النعيم .
=============
[b] [ الواجب على الإنسان أنْ يَحْرِصَ على اجتماع الكلمة ما أمكن ]
قال رحمه الله في " الشرح الممتع " في سياق كلامه عن عدد ركعات صلاة التراويح ( 4 / 63 ) : فإني أقول: إنَّ كلَّ إنسان يقول: إنه متَّبعٌ للسُّنَّة متَّبعٌ لهدي السَّلف؛ فإنه لا يسعه أن يدعَ الإمامَ إذا صَلَّى ثلاثاً وعشرين ويقول: أنا سأَتَّبعُ السُّنَّةَ وأصلِّي إحدى عشرة؛ لأنك مأمورٌ بمتابعة إمامك منهيٌّ عن المخالفة، ولست منهيًّا عن الزيادة عن إحدى عشرة.
فيجب على طَلَبَةِ العِلم خاصَّة، وعلى النَّاس عامَّة أن يَحْرِصُوا على الاتفاق مهما أمكن؛ لأن مُنْيَةَ أهل الفِسقِ وأهلِ الإلحاد أنْ يختلفَ أصحابُ الخير، لأنه لا يوجد سلاحٌ أشدُّ فتكاً مِن الاختلاف، وقد قال موسى للسَّحرة: { )قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ } [طه _ 62] ، فلما تنازعوا فَشِلوا وذهبت ريحُهم.
فهذا الاختلاف الذي نجده من بعض الإخوة الحريصين على اتِّباع السُّنَّة في هذه المسألة وفي غيرها، أرى أنه خِلاف السُّنَّةِ، وخِلافُ ما تقصده الشَّريعة مِن توحّدِ الكلمة واجتماعِ الأمَّة، لأنَّ هذا _ ولله الحمد _ ليس أمراً محرَّماً ولا منكراً، بل هو أمْرٌ يسوغ فيه الاجتهادُ، فكوننا نولِّد الخِلافَ ونشحنُ القلوبَ بالعداوة والبغضاء والاستهزاء بمن يخالفنا في الرَّأي، مع أنه سائغٌ ولا يخالف السُّنَّة، فالواجب على الإنسان أنْ يَحْرِصَ على اجتماع الكلمة ما أمكن.
وحتى المتابعة بالخَتْمَةِ لا بأس بها أيضاً، لأن الخَتْمة نصَّ الإمام أحمد وبعضُ أهل العلم: على أنه يستحبُّ أنْ يختِمَ بعد انتهاء القرآن قبلَ الرُّكوع. وهي _ وإنْ كانت مِن ناحية السُّنَة ليس لها دليل بخصوصها _ لكن ما دام أنَّ بعضَ الأئمة قالوا بها ولها مَسَاغ أو اجتهاد، وليكن مخطئاً: ما دام أنه ليس محرَّماً؛ فلماذا نُخْرِجُ أو نُسفِّهُ أو نُخَطِّىءُ أو نبدِّعُ مَنْ فَعَلَ شيئاً نحن لا نراه؟ وما دام أنَّ الأمر ليس إليك، ولكن إمامك يفعلها؛ فلا مانع مِن فِعْلِها.
وانظروا إلى الأئمة الذين يعرفون مقدار الاتفاق، فقد كان الإمام أحمدُ يرى أنَّ القُنُوتَ في صلاة الفجر بِدْعة، ويقول: إذا كنت خَلْفَ إمام يقنت فتابعه على قُنُوتِهِ، وأمِّنْ على دُعائه، كُلُّ ذلك مِن أجل اتِّحاد الكلمة، واتِّفاق القلوب، وعدم كراهة بعضنا لبعض.
يتبع بإذن الله