مسألة: مالسبب في كراهة بعضهم إذا قيل له: يــاشيخ ، على التوقير والإجلال وهو لا يكون شيخا؟ وآخر يتمنى أن يقال له ذلك ، وهو شـاب طرير؟ بل أنت تجد ذلك في شيخ على الحقيقة يكره ذلك ، إلا أن هذا علته ظاهرة ، ولكن الشأن في شاب يُشَيّخ تعظيما فيكره ، وشاب لا يُشيّخ فيتكلف. وفقد الشباب موجع ، ووجه الشيب مفظع؟
فأجاب أبو علي مسكويه: ((إنما يختلف الناس في ذلك باختلاف نظرهم لأنفسهم ، وبحسب ملاحظتهم أغراض مخاطبيهم. وذلك انه ربما أحب الإنسان أن يظهر فضيلته في ابتداء زمانه ، واستقبال عمره فإذا قيل له: يا شيخ ظن انه قد سلب تلك الفضيلة والحق بمن حصل تلك الفضيلة في الزمان الطويل ، والتجربة الكثيرة.
وربما كره ذلك أيضا لأرب له في الشباب وميل إلى اللعب والهوى اللذين يستقبحان من الشيخ ، فإذا قيل له : يا شيخ رأى هذا اللقب كالمانع له والزاجر ، وأن مخاطبه ينتظر منه ما ينتظره من المشايخ ، ولا يعذره على ركوب ما يهمُّ به ويعزم عليه.
وربما نظر الإنسان إلى مرتبة حصلت له من الوقار الذي لا يحصل إلا من المشايخ ، وهو في سن الشباب ، فيُسر بالإكرام وسرعة بلوغه مبلغ المحنكين ، واهل الدربة.
فبحسب احتلاف النظر تختلف وجوه الرضا بهذا الوصف ، والسخط له)) أ.هـ.
(الهوامل والشوامل ، ص 241)