بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أيُّها الأحباب:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
(( أنا مؤمن إن شاء الله )) [ فائدة في العقيدة ] (5)
قال الحافظ عبد الغني المقدسي ـ رحمه الله تعالى ـ :
والاستثناء في الإيمان سنة ماضية، فإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ قال: إن شاء الله ، روي ذلك عن عبد الله بن مسعود، وعلقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وأبي وائل شقيق بن سلمة، ومسروق بن الأجدع، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، ومغيرة بن مِقْسَم الضبي، وفضيل بن عياض، وغيرهم، وهذا استثناء على يقين، قال الله -عز وجل- (( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ))[سورة الفتح :27] .ا.هـ ["عقيدة الحافظ عبد الغني" ]
= = = = = = =
* قال شيخُنا الحبيب صــاحب الفضيلة العلامة عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي ـ حفظه الله ورعاه ـ معلقاً :
نعم، الاستثناء، يقول المؤلف: "والاستثناء في الإيمان سنة ماضية، فإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ قال: إن شاء الله ". يعني: أهل السنة والجماعة يرون أنه لا بأس في الاستثناء في الإيمان، ويكون الاستثناء راجعا إلى العمل لا إلى تصديق القلب، يقول: أمؤمن أنت؟ تقول: إن شاء الله . يعني بالنسبة للعمل؛ لأن الأعمال والواجبات متعددة، فلا يجزم الإنسان بأنه أدى ما عليه، بل يتهم نفسه ولا يزكي نفسه بأنه أدى ما عليه، فقال المؤمن: إن شاء الله .
أما بالنسبة للتصديق فهو مصدق الاستثناء لا يرجع إلى التصديق؛ ولهذا فإن أهل السنة والجماعة يرون أنه يجوز الاستثناء بالنسبة للعمل لا بالنسبة لأصل الإيمان والتصديق؛ ولهذا البعض إذا سأل قال: أمؤمن أنت؟ قال: نعم، قال: آمنت بالله ورسله وآمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وأما المرجئة فلا يستثنون في الإيمان؛ لأن الإيمان شيء واحد عندهم لا يزيد ولا ينقص، الإيمان هو التصديق بالقلب، لا يزيد ولا ينقص، فلا تقل: إن شاء الله ؛ يقول: هل تشك في إيمانك؟ يسمون من يستثني إيمانه... يسمون أهل السنة الشكاكة، يقولون: أنتم شكاكة في إيمانكم، أنت ما تعرف نفسك أنك مؤمن ، الإنسان يعرف نفسه أنه مؤمن كما أنه يعرف أنه قرأ الفاتحة، وكما أنه يعرف نفسه أنه قرأ الفاتحة، وكما أنه يعرف نفسه أنه يحب الرسول ويبغض اليهود، ما يحتاج استثناء، كيف تشك فيما تقول: أنا مؤمن إن شاء ... تشك في إيمانك؟! يسمون أهل السنة الشكاكة.
وأما أهل السنة يقولون: لا، فيه تفصيل، إن كان الاستثناء راجعا إلى أصل الإيمان هذا ممنوع؛ أنت تريد ترجع إلى أصل الإيمان هذا ممنوع، أما إذا أردت أن شعب الإيمان متعددة والواجبات كثيرة، ولا تزكي نفسك ولا تدري بأنك ما أديت ما عليك، بل تتهم نفسك، هذا لا بأس، تقول: أنا مؤمن إن شاء الله .
وكذلك إذا أراد الإنسان التبرك بذكر اسم الله فيقول: إن شاء الله ، وكذلك إذا أراد عدم العلم بالعاقبة وأن العاقبة لا يعلمها إلا الله جاز الاستثناء، أما إذا أراد الشك في أصل الإيمان فهذا ممنوع؛ ولهذا قال المؤلف: "الاستثناء سنة ماضية، فإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ قال: إن شاء الله . روي هذا عن عبد الله بن مسعود، وعلقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، -هؤلاء الأخيار كلهم يرون الاستثناء- وأبي وائل شقيق بن سلمة، ومسروق بن الأجدع، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي"... هؤلاء كلهم من التابعين، عبد الله بن مسعود ومغيرة بن مِقْسَم الضبي وفضيل بن عياض وغيرهم من السلف.
يقول المؤلف: "وهذا استثناء على يقين" يعني: إن الاستثناء في الإيمان لا يعني الشك في أصل الإيمان؛ لأن المستثني إذا أراد الشك في أصل الإيمان هذا ممنوع، وإنما إذا أراد العمل فلا بأس، قال الله -عز وجل-: (( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ )) [سورة الفتح :27] هذا استثناء، فالله استثنى وهو لا يشك -سبحانه وتعالى-، ولهذا قال الله -تعالى-: (( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ )) .
أبو بكر الآجري -رحمه الله - يقول: إن أهل العلم يستثنون في الإيمان لا على جهة الشك، نعوذ بالله من الشك في الإيمان، ولكن خوف التزكية لأنفسهم من الاستكمال للإيمان، لا يدري أهو ممن يستحق حقيقة الإيمان أم لا؛ وذلك أن أهل العلم من أهل الحق إذا سُئِلوا: أمؤمن أنت؟ قال: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار.. وأشباه هذا، والناطق بهذا والمصدق به بقلبه مؤمن ، وإنما الاستثناء في الإيمان، لأنه لا يدري أهو ممن يستوجب ما نعت الله -عز وجل- به المؤمنين من حقيقة الإيمان أم لا.
هذا طريق الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان عندهم: أن الاستثناء في الأعمال لا يكون في القول والتصديق بالقلب، وإنما الاستثناء في الأعمال الموجبة لحقيقة الإيمان . ا.هـ
(( المصدر )) :
[من الموقع الرسمي لصـاحب الفضيلة شيخنا العلامـة عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي - حفظه الله ورعاه - ]
*****************
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل صــاحب الفضيلة العلامة الشيخ حمد بن عتيق ـ رحمه الله تعالى ـ عن قول الفقهاء : من قال أنا مؤمن إن شاء الله ، إن نوى به في الحال ؛ يكفر ، وإن نوى به في المآل ؛ لم يكفر .
فأجاب ـ رحمه الله تعالى ـ : هذا سؤال من لا يُحسن السؤال ، فإن ظاهره أن جميع الفقهاء يقولون ذلك ، ومن له خبرة بأقوال الفقهاء تحقق أن هذه مجازفة عليهم ، وقول بلا علم ، فإن كان بعض المتأخرين من بعض أهل المذاهب قال ذلك فهو قول محدَث من أقوال أهل البدع ، وأنا أذكر لك من كلام العلماء في الاستثناء في الإيمان ، وهو قول الرجل : أنا مؤمن إن شاء الله ، ليتضح الخطأ من الصواب ، ويُعلم من الأولى بالحق في هذا الباب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وأما الاستثناء في الإيمان بقول الرجل : أنا مؤمن إن شاء الله ، فالناس فيه على ثلاثة أقوال ، منهم من يوجبُه ، ومنهم من يُحرمه ، ومنهم من يُجوز الأمرين باعتبارين ، وهذا أصح الأقوال .
فالذين يُحرمونه هم المرجئة والجهمية ونحوهم ، ممن يجعل الإيمان شيئاً واحداً يَعلمه الإنسان من نفسه ، كالتصديق بالرب ، ونحو ذلك مما في قلبه ، فيقول أحدهم : أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم أني قرأت الفاتحة ، فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه عندهم .
وأما الذين أوجبوا الإستثناء فلهم فيه مأخذان ، أحدهما : أن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان ، والإنسان إنما يكون عن الله مؤمناً وكافراً باعتبار الموافاة وما سبق في علم الله أنه يكون عليه ، وهو مأخذ كثير من المتأخرين من الكلابية وغيرهم ممن يريد أن ينصر ما استشهد عليه أهل السنة والحديث من قولهم : أنا مؤمن إن شاء الله ، ويريد مع ذلك أن الإيمان لا يتفاضل ، ولا يشك الإنسان في الموجود منه ، وإنما يشك في المستقبل ، وهذا وإن عَلل به كثير من المتأخرين من أصحاب الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم فما علمت أحداً من السلف علل به الاستثناء .
قلت : فالمرجئة والجهمية يحرمون الاستثناء في الحال والمآل ، وهؤلاء يبيحونه في المآل ويمنعونه في الحال .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : والمأخذ الثاني في الاستثناء أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به كله وترك المحرمات كلها ، فإذا قال الرجل : أنا مؤمن بهذا الإعتبار فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين ، القائمين بفعل جميع ما أمروا به وترك كل ما نُهوا عنه ، فيكون من أولياء الله ، وهذا من تزكية الإنسان لنفسه ، وشهادته لها بما لا يعلم ، ولو كانت هذه الشهادة صحيحة لكان ينبغي أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحـال ، وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون ، وإن جوزوا ترك الاستثناء بمعنى آخر .
وروى الخلال عن أبي طالب قال : سمعت أبا عبد الله يقول : لا نجد بُـداً من الاستثناء ، لأنهم إذا قالوا مؤمن فقد جاءوا بالقول ، فإنما الاستثناء بالعمل لا بالقول .
وعن إسحاق بن إبراهيم قال : سمعت أبا عبد الله يقول : أذهب إلى حديث ابن مسعود في الاستثناء في الإيمان ، لأن الإيمان قول وعمل ، والعمل الفعل ، فقد جئنا بالقول ، ونخشى أن نكون فرطنا في العمل ، فيعجبني أن يستثني في الإيمان فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، ومثل هذا كثير من كلام أحمد وأمثاله .
وهذا مطابق لما تقدم من أن المؤمن المطلق هو القائم بالواجبات المستحِق للجنة إذا مات على ذلك ، وأن المفرط بترك المأمور أو فعل المحظور لا يطلق عليه أنه مؤمن ، وأن المؤمن المطلق هو البر التقي ولي الله ، فإذا قال : أنا مؤمن قطعاً ، كان كقوله : أنا برٌّ تقي ولي لله قطعاً .
وقد كان أحمد وغيره من السلف مع هذا يكرهون سؤال الرجل غيره : أمؤمن أنت ؟ ، ويكرهون الجواب ، لأن هذا بدعة أحدثها المرجئة ليحتجوا بها لقولهم ، فإن الرجل يعلم من نفسه أنه ليس بكافر ، بل يجد قلبه مصدقاً لما جاء به الرسول ، فيقول : أنا مؤمن ، فلما علم السلف مقصودهم صاروا يكرهون السؤال ويفصلون الجواب .
وهذا لأن لفظ الإيمان فيه إطلاق وتقييد ، فكانوا يجيبون بالإيمان المقيد الذي لا يستلزم أنه شاهد لنفسه بالكمال ، ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يقال : أنا مؤمن بلا استثناء إذا أراد ذلك ، لكن ينبغي أن يقرن كلامه بما يبين أنه لم يرد الإيمان المطلق الكامل ، ولهذا كان أحمد يكره أن يجيب على المطلق بلا استثناء .
قلت : فظهر القول الثالث الذي هو الصحيح ، وهو أنه إذا قال : أنا مؤمن ، فإن أراد بذلك الإيمان المقيد الذي لا يستلزم للكمال جاز له ترك الاستثناء ، وإن أراد المطلق المستلزم للكمال فعليه أن يستثني في ذلك .
قال الخلال : أخبرني حرب بن إسماعيل وأبو داود ، قال أبو داود : سمعت أحمد قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إذا سئل المؤمن : أمؤمن أنت ؟ لم يجبه ، ويقول : سؤالك إياي بدعة ، ولا أشك في إيماني .
وقال : (إن شاء الله)[1] ليس يكره ، ولا يدخل الشك .
وقد أخبرني [2] عن أحمد أنه قال : لا نشك في إيماننا ، وأن السائل لا يشك في إيمان المسئـول .
وهذا أبلغ ، وهو إنما يجزم بأنه مقرّ مصدّقٌ بما جاء به الرسول ، لا يجزم بأنه قائم بالواجـب .
فعُلم أن أحمد وغيره من السلف كانوا يجزمون ولا يشكون في وجود ما في القلب من الإيمان في هذه الحال ، ويجعلون الاستثناء عائداً إلى الإيمان المطلق المتضمن فعل المأمور .
هذا ملخص كلامه في كتاب « الإيمان » .
وقال في موضع آخر : والناس لهم في الاستثناء ثلاثة أقوال ، منهم من يحرمه ، كطائفة من الحنفية ، ويقولون : من يستثني فهو شاكُّ .
ومنهم من يوجبه كطائفة من أهل الحديث .
ومنهم من يجوزه أو يستحبه ، وهذا أعدل الأقوال ، فإن الاستثناء له وجه صحيح ، وتركه له وجه صحيح ، فمن قال : أنا مؤمن إن شاء الله ، وهو يعتقد أن الإيمان فِـعل جميع الواجبات ، ويخاف أن لا يكون أتى بها ، فقد أحسن .
ومن اعتقد أن المؤمن المطلق هو الذي يستحق الجنة فاستثنى خوف سوء الخـاتمة ، فقد أصاب .
ومن استثنى أيضاً خوفا من تزكية نفسه أو مدحها ، أو تعليقاً للأمر بمشيئة الله تعالى ، فقد أحسن .
ومن جزم بما يعلمه من التصديق في ترك الاستثناء فهو مصيب .
فتبين بما ذكرناه من الكلام الذي قدمناه أن هذا الإيراد قول غير معروف عند العلماء المقتدى بهم ، فضلاً عن أن يكون الفقهاء كلهم قد قالوه ، وإذا كان الأمر كذلك وظهر كلام من يعتد به ، وما هو الصواب منه ، فلا حاجة بنا إلى معرفة الأقوال المبتدعة .
المسألة الثانية وهي قول السائل : ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم من قال : أنا مؤمن ، فهو كافر ، ومن قال : أنا في الجنة ، فهو في النار ؟
فالذي وقفت عليه أن هذا من كلام عمر ، كما رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : من قال أنا مؤمن ، فهو كافر ، ومن قال : هو عالـم ، فهو جاهل ، ومن قال : هو في الجنة ، فهو في النار .
وأنت لم تذكر له إسناداً ، ولا نسبة إلى أصل ، وقد عُـلم أنه لا يجوز لأحد أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً بمجرد وجود سواد في بياض ، وتفصيل ذلك معروف في كتب أهل العلم والحديث .
وأما مراد عمر ، فقد قال بعض الناس : إن المراد : إذا قال أنا مؤمن ، آمناً من مكر الله ، وتألياً على الله .
وقال بعضهم : أي من قال : أنا مؤمن بالطاغوت ، فهو كافر بالله .
وكذلك من قال : هو في الجنة قطعاً ، تكذيباً بحديث : الأعمال بالخواتيم .
وقيل غير ذلك من الأقوال البعيدة الضعيفة .
وأما أنا فأقول : الله أعلم بمراد الخليفة الراشد ، ولا أعلم في ذلك شيئاً تـطمئن إليه النفوس ، ولا يستحي من سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، فالله أعلم . اهـ [ "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" ]